Page 21 - merit 39 feb 2022
P. 21

‫‪19‬‬                ‫إبداع ومبدعون‬

                  ‫رؤى نقدية‬

                                                                          ‫شاعرنا؟ وهل وصل به الرعب‬

                                                                          ‫للدرجة التي يعيد فيها هاته‬

                                                                          ‫الكلمة خمس مرات؟ ولماذا بدأ‬

                                                                          ‫القصيدة برؤية سوداوية؟‬

                                                                          ‫أليس البحث عن الله بداية‬

                                                                          ‫لتخلص المرء من رعبه؟‬

                                                                          ‫كثيرة هي مظاهر رعب‬

                                                                          ‫شاعرنا؛ فعيشه رعب‪،‬‬

                                                                          ‫ومشربه رعب‪ ،‬وأكله رعب‪،‬‬

                                                                          ‫ونومه رعب‪ ،‬ويقظته رعب‪..‬‬

                                                                          ‫نحن أمام رعب يحيط به من‬

                                                                          ‫كل الجهات‪ ،‬ويسد عليه الأفق‬

                                                                          ‫والفضاء‪ ،‬بل ويكتم أنفاسه‪.‬‬

                                                                          ‫لكن‪ ،‬أليس كافيًا أن يقول‪ :‬إن‬
                                                                            ‫عيشه رعب‪ ،‬لكي يعبر عن‬

‫هانس روبيرت ياوس‬  ‫محمود درويش‬                              ‫فولفغانغ إيزر‬  ‫كل الذي بعده؟ أجل‪ ،‬كان ذلك‬
                                                                             ‫ممكنًا‪ ،‬لكنه حاول أن يجر‬
                                                              ‫القارئ إلى متاهة الرعب التي يهيم وسطها حتى‬
  ‫الشديد‪ .‬وال َم ْر َع َبة‪ :‬القفرة المخيفة‪ ،‬وأن يثب الرجل‬    ‫لا يدع له مكا ًنا للقول‪ :‬ربما يعيش هناء في جانب‬
      ‫فيقعد بجنبك وأنت عنه غافل‪ ،‬فتفزع‪ .‬و َر َع َب‬           ‫ما‪ .‬إذ إن حياته كلها‪ ،‬دون إغفال أي جزئية منها‪،‬‬

    ‫الحوض‪ :‬ملأه‪ ..‬وتقول‪ :‬إنه لشديد ال َّر ْعب‪ ،‬قال‬                                   ‫تعيش على هذا الإيقاع‪.‬‬
    ‫رؤبة‪ :‬ولا أجيب ال َّر ْعب إذا دعيت‪ :‬أراد بالرعب‪:‬‬       ‫عددنا كلمة «رعب»‪ ،‬فوجدناها أعيدت خمس مرات‪،‬‬
                                                            ‫وبدخولنا عالم الموسوعة نلفي أن ما يعاد على هاته‬
                                        ‫الوعيد‪.‬‬
 ‫بهذه الإطلالة الخفيفة نجد أنفسنا أمام معان تدور‬             ‫الشاكلة إنما هي الصلاة‪ ،‬فهي التي تتكرر في كل‬
                                                             ‫أوقات اليوم؛ صبا ًحا ومسا ًء‪ ..‬نحن أمام إحساس‬
    ‫كلها في فلك الخوف والفزع‪ ،‬لكننا نكتشف على‬
‫جنباتها معاني تطل على مقربة من هذا المعنى‪ ،‬وهي‬                 ‫يجثم على الشاعر‪ ،‬يغشاه طول يومه‪ ،‬فلا يلبث‬
                                                             ‫أن يخرج منه إلا ليدخله مجد ًدا‪ .‬صار الرعب دينًا‬
  ‫التي تسد فراغ الدلالة الذي بقي يتربص بنا بد ًءا‬          ‫عنده‪ ،‬يحياه في يقظته‪ ،‬ويتخيله في نومه‪ ،‬إنه لصيق‬
‫من مستهل القصيدة‪ .‬ولنركز على الألفاظ والعبارات‬              ‫به‪ ،‬لا ينفك عنه‪ ،‬ولهذا لا بد له من مهرب ينجو به‬
                                                           ‫من جثوه على قلبه‪ .‬أين سيجد ذلك؟ من يخلصه من‬
           ‫التي دبجت بخط عريض‪ ،‬حينها سنجد‪:‬‬                   ‫ورطته؟ سنعرف ذلك حالما نتوغل في ظلام نصنا‬
      ‫‪ -‬الفزع‪ :‬ولكن‪ ،‬أي فزع؟ إنه أقصى درجات‬
  ‫الخوف‪ ،‬ذاك الفزع الشديد‪ ،‬والذي لا يترك مجا ًل‬

‫لشاعرنا للتحرك دون أن يتبعه‪ ،‬فهو متربص به‬                  ‫هذا‪ .‬لكن قبل ذلك‪ ،‬لا بد من اللجوء إلى القاموس‬

‫في كل اللحظات‪ .‬غير أنه غالبًا ما نشعر بالخوف‬               ‫نلقي عليه نظرة علَّه يعطينا إشارات عن الجذر‬
‫العظيم في اللحظة التي نحس فيها بخطر يتهددنا‪،‬‬
                                                                          ‫اللغوي‪ :‬ر‪ -‬ع‪ -‬ب‪.‬‬
‫وهنا يمثل الخوف مساع ًدا على تجنب الألم المحتمل‪.‬‬
‫لكن الخطر المداهم للشاعر غير واضح‪ ،‬لذلك يبقى‬               ‫نفتح لسان العرب لابن منظور‪ ،‬نطل عليه إطلالة‬

                                                           ‫سريعة‪ ،‬نأخذ منه ما يزيل عتمتنا في هذا النص‪،‬‬
‫أليس القاموس مصبا ًحا نستضيء به كلما أحسسنا هذا الخوف الخطر الأبرز الذي يصرعه فينغص‬
                                 ‫عليه حياته‪.‬‬               ‫بفقداننا نور الكلمات؟ بلى‪ ،‬هو ذاك المقصود من‬

‫‪ -‬القفرة المخيفة‪ :‬حياة شاعرنا أضحت فرا ًغا وعد ًما‬         ‫استعانتنا به‪ .‬وعليه‪ ،‬نجد‪ :‬ال ُّر ْع ُب وال ُر ُع ُب‪ :‬الفزع‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26