Page 201 - m
P. 201

‫‪199‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

  ‫النبلاء جمي ًعا وأستولي على‬   ‫وسوقي ووحشي إلى درجة‬               ‫تساهم سوى في إبراز سمات‬
   ‫ممتلكاتهم‪ .‬هاتوا أول نبيل‬   ‫لا يتصورها عقل‪ ،‬وحين بدأ‬            ‫الشخصيتين الرئيستين الأب‬
‫وناولوني شكل النبلاء الذين‬
                                 ‫في عام ‪ 1896‬هزليًّا بسبب‬                          ‫والأم أوبو‪.‬‬
      ‫سيحكم عليهم بالإعداد‬      ‫المبالغة في إبراز قسوته فإن‬           ‫وعلى ما تجسده شخصية‬
        ‫سألقي بهم في الجب‬       ‫الواقع عام ‪ 1945‬في مذابح‬            ‫الكابتن بوردورو من نمطية‬
                                 ‫هتلر تجاوز بمراحل ما بدا‬           ‫أي ًضا إلا أنه يصح أن نعدها‬
     ‫فيسقطون تحت الأرض‬
    ‫في السراديب حيث تنزع‬          ‫مبال ًغا فيه ‪ ،1896‬لتصبح‬              ‫شخصية محورية‪ ،‬فهي‬
                                     ‫أوبو تصو ًرا جد سيئ‬               ‫من جهة الشخصية التي‬
             ‫أمخاخهم"(‪.)24‬‬                                               ‫تساهم في تنفيذ اغتيال‬
     ‫ثم إن أوبو يقوم بتنفيذ‬        ‫للجانب المظلم في الطبيعة‬          ‫أوبو للملك فينسسلا‪ ،‬وهي‬
      ‫عمليات القتل والتعذيب‬       ‫البشرية عكسه شعار على‬             ‫أي ًضا الشخصية التي تنقلب‬
      ‫وانتزاع الأمخاخ بآلاته‬     ‫خشبة المسرح فأكد الواقع‬             ‫على أوبو بعد أن تنكر أوبو‬
 ‫الطفولية على خشبة المسرح‪،‬‬                                              ‫لوعده‪ ،‬وهي الشخصية‬
 ‫تلك القسوة الطفولية‪ ،‬وكأنه‬             ‫صدقه النبوئي(‪.)23‬‬             ‫التي تغير مجرى الأحداث‬
‫طفل سمع عن عمليات غسيل‬              ‫فقسوة أوبو لم تقتصر‬               ‫باستعانته بقيصر روسيا‬
      ‫المخ التي تجري لبعض‬        ‫على العنف الدموي‪ ،‬ولكنها‬            ‫للدفاع عن عرش ابن أخيه‪.‬‬
  ‫المجرمين‪ .‬فالتصور الوحيد‬       ‫امتدت إلى الشراهة والجبن‬            ‫غير أن هناك سمات بارزة‬
   ‫لها عنده هو أن يأتي بماء‬         ‫والوصول بكل منها إلى‬               ‫تميز الشخصية الرئيسة‬
‫ويقوم بغسل رأس صديقه أو‬        ‫أقصى مدى ممكن‪ .‬فالقسوة‬                  ‫حرص ألفريد جاري على‬
 ‫دميته‪ .‬ثم إن عمليات الإلقاء‬       ‫عند جاري "تعني العنف‬
    ‫في الجب إحدى موروثات‬            ‫تطبي ًقا وقرا ًرا لا رجعة‬             ‫تأكيدها في النص وفي‬
    ‫خرافات الأطفال عن ذلك‬      ‫فيهما‪ ،‬وعز ًما مطلقا يسير في‬        ‫الإرشادات الخاصة بالعرض‪،‬‬
  ‫الجب المظلم الذي يلقى فيه‬      ‫نفس الاتجاه‪ ،‬ومنذ اللحظة‬
  ‫بالأشرار تما ًما مثل "فوهة‬   ‫الأولى في مسرحية أوبو مل ًكا‬                          ‫من بينها‪:‬‬
 ‫الجحيم" في مسرح العصور‬            ‫نجد كلمة نيله أو خراء"‬            ‫أو ًل‪ :‬القسوة والاستفزاز‪:‬‬
                               ‫"‪ "Merde‬تلك الكلمة البذيئة‬
                  ‫الوسطى‪.‬‬         ‫التي صدمت المتلقي وقت‬                 ‫إن شخصية أوبو تقوم‬
 ‫وفي معركة بينه وبين إحدى‬      ‫عرض المسرحية الأول ونجد‬                  ‫بعمليات القتل والتعذيب‬
  ‫الشخصيات يصاب بإحدى‬           ‫الكلمة وقد أصحبت ملازمة‬                ‫لمعارضيها مستخدمة في‬
                               ‫للشخصية أو النمط على مدى‬             ‫ذلك مختلف وسائل التعذيب‬
                   ‫القذائف‪.‬‬                                         ‫المعروفة‪ ،‬والمبتكرة من وحي‬
   ‫الأب أوبو‪ :‬آه أوه‪ ،‬لقد مت‬             ‫عرض المسرحية‪.‬‬               ‫الخيال‪ ،‬إلى الحد الذي وجد‬
   ‫إنها على الأقل قذيفة مدفع‬        ‫وتمثل هذه القسوة بكل‬              ‫فيه مارتن إسلن في كتابه‬
   ‫تلك التي أصابتني‪ ..‬آه‪ ،‬يا‬   ‫أشكالها طاب ًعا كوميد ًّيا ناب ًعا‬       ‫"مسرح العبث" "رؤية‬
 ‫إلهي‪ ،‬اغفر لي خطاياي‪ ،‬نعم‬         ‫من تكوين العالم الداخلي‬          ‫تنبؤية لشخصية هتلر‪ ".‬إن‬
                                  ‫لشخصية أوبو نفسه تلك‬               ‫أوبو تصور مرعب للطبيعة‬
           ‫إنها قذيفة مدفع‪.‬‬       ‫الطفولية إلى أبعد الحدود‪.‬‬              ‫الحيوانية عند الإنسان‬
  ‫بوردور‪ :‬إنها طلقة مسدس‬        ‫في المشهد الثاني من الفصل‬          ‫لقسوته وعدم رحمته‪ ،‬فأوبو‬
                                     ‫الأول نجد أوبو يقول‪:‬‬              ‫يجعل من نفسه مل ًكا على‬
           ‫محشو بالبارود‪.‬‬         ‫"أيها السادة أتشرف بأن‬            ‫بولندا يقتل ويعذب الجميع‪..‬‬
  ‫الأب أوبو‪ :‬أتسخر مني‪ .‬إلى‬       ‫أعلن عليكم أنني من أجل‬               ‫وأخي ًرا يطرد مهزو ًما إلى‬
‫الخارج (ينقض عليه ويمزقه)‬         ‫إثراء المملكة سأقضي على‬
                                                                          ‫خارج البلاد‪ ،‬إنه لئيم‬
             ‫(ف‪ 4‬م‪.)25()4‬‬
      ‫فعلى الرغم من القسوة‬
   196   197   198   199   200   201   202   203   204   205   206