Page 244 - m
P. 244
العـدد 57 242
سبتمبر ٢٠٢3 «التطهر» التي كانت تشعره
بأنه أدى ما عليه وبالتالي
التي تمنحها المحاكاة ،والتي إدماجه في العرض ومع ليس مسؤو ًل عن اختلال
تفوق قوة النفور الذي تثيره الأبطال ،ونجد النهايات العالم وليس مق ِّص ًرا في
المفتوحة ،بحيث لا يقدم مقاومة الفساد؟
قباحة الشيء في الواقع. الفيلم نهاية أص ًل ليشارك مما عرضته عن الظروف
-إن «المسرح الملحمي» المشاهد بوضع النهاية التي التي نشأ فيها «المسرح
وقت ظهوره في نهاية الربع تناسبه ،وبعض الأفلام الملحمي» أو «المسرح
الأول من القرن العشرين، تعتمد مجموعة من النهايات البريختي» أو «مسرح
كان ضرورة فرضتها المحتملة ،ليكون على المتفرج كسر الإيهام» يتضح أن
المآسي التي أوجدتها الحرب إعمال عقله لاختيار النهاية الجمهور بالفعل كان مهيَّأً
العالمية الأولى ،ثم الحرب التي يراها منطقية أكثر ،بل لاستقبال هذه الأفكار
العالمية الثانية ،والصدمة إن الحدث الرئيس نفسه يتم الثورية التي تطمح إلى
التي تلقاها مثقفو القارة عرضه باحتمالات متعددة، تغيير العالم للأفضل ،بعد
الأوروبية وهم يرون أن كل هذا لكي لا يركن المتفرج
مكتسباتهم الحضارية إلى ما ُيقدم له باعتباره الحل الأهوال التي عايشوها خلال
والعلمية لم تمنع الهمجية الوحيد ،فيكتفي بالمتابعة الحربين العالميتين وما
والعدوانية اللذين ظهرا على دون أن يفكر في المادة التي
أيدي العسكريين المتقاتلين. بينهما ،من شحن للناس إلى
وفي حين أن «مسرح العبث» تقدم له. جبهات القتال ،وبالتالي فقد
و»السيريالية» ..وغيرهما، أرواح الملايين من الشباب
يدعون إلى التغريب والانكفاء خاتمة والشيوخ ،الرجال والنساء
على الذات ومخاصمة الواقع، والأطفال على السواء ،وهذا
فإن «المسرح الملحمي» يدعو ونخلص في نهاية المقال إلى
إلى يقظة المتفرج ومخاطبة عدة نقاط هامة ،فأ ًّيا كانت ما جعل مسرح بريخت
عقله ،ودفعه إلى أن يكون الآراء حول مفهوم المحاكاة يلاقي نجا ًحا لافتًا وقت
إيجابيًّا ،ويشارك في تغيير الأرسطية ،إلا أنها جميعها عرضه بد ًءا من نهاية الربع
مصيره بنفسه ،وبالسبل تتفق على أن الهدف منه هو الأول من القرن العشرين ،بل
التعليم والمتعة ،هذه المتعة لا إننا نجد كثي ًرا من التجارب
المتاحة لديه. يمكن أن تتحقق من خلال حتى يومنا هذا تحاول
-قام المسرح البريختي إعادة إنتاجه ،خاصة في
على تحطيم أسس المسرح إعادة مشاهدة أو قراءة الدول المتراجعة حضار ًّيا،
الكلاسيكي الذي وضع الواقع كما هو في مسرحية التي يرى بعض فنانيها
أسسه أرسطو في كتابه «فن ومثقفيها أن شعوبها تحتاج
الشعر» ،فه َّشم الحدث إلى ما ،وإن وجد التقليد لا إلى «صدمات» تجعلها تفيق
مجموعة من الأحداث غير بد أن يكون بطريقة فنية، من وهمها ،وتتحرك لإحداث
المترابطة ،وألغى التتابع فالعملية تحتاج إلى وعي
الزمني ،ولم يهتم بالحبكة، كامل من المعلم ،أي المؤلف، التغيير.
وحيَّد العوامل المساعدة من والمتلقي أي الجمهور ،إذ بل إن جماليات المسرح
إضاءة ومؤثرات صوتية.. ينجم عن ذلك انفعال عاطفي البريختي انتقلت من المسرح
يجعل المحاكاة مصدر لذة إلى السينما ،فنشاهد أفلا ًما
إلخ. عند المتلقي ،ومن هنا تأتي كثيرة ،محلية وعالمية،
-لعب التكوين الثقافي المفارقة التي تقضي بأن تحاول تحييد المتفرج وعدم
والشخصي لـ»برتولد محاكاة شيء قبيح تبدو
بريخت» دو ًرا مه ًّما في
اتجاهه لاستحداث هذا جميلة وذلك بقوة المتعة