Page 241 - m
P. 241

‫الملف الثقـافي ‪2 3 9‬‬

 ‫إلى إساءة قراءة دارسي‬           ‫تظهر وكأنها عاجزة تما ًما‬      ‫تقديم معاصر لاوبرا القروش الثلاثة‬
   ‫بريخت لهذا المفهوم‪،‬‬         ‫عن التأثير بالمجتمع (الممثل‪/‬‬
  ‫وترى أن مكمن الخلط‬                                                               ‫سوزان بينيت (الباحثة‬
    ‫والبلبلة هنا هو تلك‬           ‫قاعة المشاهدة)‪ ،‬ولمقاومة‬                      ‫الكندية المتخصصة بالتلقي‬
    ‫المفارقة التي ينطوي‬          ‫هذا النمط من المسرح يقدم‬
                                 ‫بريخت مسر ًحا آخر يقوم‬                          ‫المسرحي)‪ ،‬يهدف أسا ًسا‬
 ‫عليها المفهوم‪ ،‬فالتغريب‬                                                          ‫من مسرحه الملحمي إلى‬
     ‫بوصفه مساف ًة بين‬              ‫على التفاعل المباشر مع‬                         ‫تغيير الأنماط التقليدية‬
                                                  ‫المتلقين‪.‬‬                      ‫للإنتاج والتلقي‪ ،‬لذا كانت‬
  ‫المتلقي والخشبة تحول‬                                                          ‫كل الإضافات التقنية التي‬
      ‫دون تماهيه مع ما‬         ‫وعلى الرغم من أهمية مفهوم‬                        ‫أدخلها تسعى الى إيجاد ما‬
                                 ‫بريخت عن الأثر التغريبي‪،‬‬                      ‫أسماه بمسرح عصر العلم‪،‬‬
  ‫يجري عليها‪ ،‬من جهة‪،‬‬                                                         ‫وهي الإضافات التقنية ذاتها‬
 ‫يبدو وكأنه يستبعد هذا‬         ‫الذي يهدف‪ ،‬فيما يهدف إليه‪،‬‬                        ‫التي ُوضعت لدفع المتلقي‬
 ‫المتلقي‪ ،‬إ َّل أنه‪ ،‬من جهة‬    ‫إلى إثارة وعي المتلقي بغرابة‬                   ‫إلى التأمل والنقد من دون أن‬
                                ‫واقعه الاجتماعي وتناقضه‪،‬‬                      ‫يفقد المتعة المسرحية‪ .‬ويشير‬
    ‫أخرى‪ ،‬يعد جز ًءا من‬                                                           ‫بريخت في (الأورجانون‬
‫عملية لا يجب أن تتعاقب‬            ‫الذي يعريه العرض‪ ،‬وإلى‬                         ‫الصغير) الى أن الممارسة‬
                                  ‫إثارة رغبته في تغيير هذا‬                          ‫المسرحية المعاصرة قد‬
   ‫فيها المشاهد المسرحية‬          ‫الواقع تغيي ًرا جذر ًّيا حتى‬                   ‫أجهضت العلاقة المباشرة‬
  ‫بشكل متصل‪ ،‬بل يجب‬                ‫يستقيم مر ًة أخرى (من‬
  ‫أن تفسح للمتلقي المجال‬         ‫منظور ماركسي)‪ ،‬فإنه لم‬                             ‫بين العرض المسرحي‬
‫للمشاركة بأحكامه‪ .‬وتدعم‬        ‫يلق‪ ،‬كما تقول بينيت‪ ،‬الضوء‬                     ‫والمتلقين‪ ،‬فالبنية الاجتماعية‬
                                   ‫على استراتيجيات التلقي‬                      ‫المصورة على خشبة المسرح‬
     ‫بينيت رؤيتها هذه بقول‬       ‫لدى الجمهور‪ .‬وتعزو ذلك‬
 ‫ستيفن هيث «ليس التغريب‬

    ‫هو فقط عزل المتلقي عن‬
   ‫الفعل الدرامي للمسرحية‪،‬‬
    ‫ثم إدماجه فعليًّا بعد ذلك‬
  ‫في علاقة توحد عاطفي مع‬
  ‫البطل بوصفه حامل الوعي‬
 ‫الكلي للعرض‪ ،‬بل هو‪ ،‬أي ًضا‪،‬‬
 ‫جعل المتلقي جز ًءا من عملية‬
  ‫التحول مما هو أيديولوجي‬
‫إلى ما هو حقيقي‪ ،‬من الإيهام‬

     ‫إلى الحقيقة الموضوعية‪،‬‬
    ‫أي إلى التحليل السياسي‬
  ‫لأنماط التصوير المسرحي‪،‬‬
     ‫وأهدافها‪ ،‬وكذلك نشاط‬
  ‫المسرحية كلها وفاعليتها»‪.‬‬

       ‫ويستنتج من ذلك أن‬
    ‫التغريب يسعى إلى تغيير‬
    ‫منظور المتلقي الاعتيادي‬
 ‫للأحداث الدائرة على خشبة‬
 ‫المسرح من أجل خلق علاقة‬
   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245   246