Page 160 - merit 50
P. 160

‫العـدد ‪50‬‬                           ‫‪158‬‬

                               ‫فبراير ‪٢٠٢3‬‬                   ‫العقود الأخيرة تزايد الاتفاق‬
                                                                  ‫بين التيارات السياسية‬
  ‫ما يقودنا إلى الاعتراف بأن‬    ‫وأصبح من الطبيعي انتقال‬           ‫الأخرى على أن المجتمع‬
     ‫العولمة فشلت في تحقيق‬      ‫خبرات وقيم وقواعد العمل‬
            ‫التنمية للجميع‪.‬‬                                  ‫المدني والثقافة المدنية ورأس‬
                                  ‫المجتمعي عبر الدول‪ ،‬كما‬     ‫المال الاجتماعي كلها عوامل‬
  ‫لقد أصبحت عواقب العولمة‬          ‫أضحت الأفكار والمفاهيم‬
 ‫مصدر قلق رئيس للباحثين‬         ‫القادمة من الغرب على وجه‬        ‫مهمة لتعزيز الديمقراطية‬
 ‫في مجال التنمية وممارسيها‬     ‫الخصوص تنتشر على نطاق‬          ‫والمساعدة في حل النزاعات‪.‬‬
  ‫على الأرض‪ ،‬فقد أدى تزايد‬      ‫واسع بفعل التطور السريع‬        ‫ولكي نكون منصفين‪ ،‬فإن‬
 ‫من يعانون الفقر‪ ،‬ولا سيما‬       ‫في تقنيات الاتصال‪ ،‬وكان‬     ‫المناقشات الأكاديمية المبكرة‬
‫في العالم الثالث‪ ،‬إلى التشكيك‬   ‫من بين ذلك الاهتمام الكبير‬
‫في نظريات وسياسات التنمية‬                                       ‫لمفاهيم المجتمع المدني في‬
                                     ‫بمفهوم المجتمع المدني‬   ‫الوطن العربي كانت سطحية‬
   ‫(المحافظة) التي تركز على‬        ‫كوسيلة (وغاية) للتنمية‬
 ‫النمو بحثًا عن استراتيجيات‬        ‫البشرية‪ .‬بيد أن الانفتاح‬    ‫كونها ظهرت بالأساس في‬
                               ‫الذي تتطلبه العولمة لا يضمن‬      ‫بلاد شمولية‪ ،‬لكنها كانت‬
    ‫إنمائية أفضل‪ .‬وفي ضوء‬       ‫بالضرورة حدوث النمو ولا‬
     ‫ذلك فقد تم دمج مفهوم‬       ‫التوزيع المنصف للدخل‪ .‬بل‬           ‫دائ ًما تشير إلى أن أي‬
 ‫«المجتمع المدني»‪ ،‬الذي يركز‬      ‫إن البعض يرى أن العولمة‬       ‫توسع في المشاركة المدنية‬
     ‫على مشاركة الناس‪ ،‬في‬       ‫ُتعزز «عدم المساواة» داخل‬       ‫مفيد للديمقراطية‪ .‬بيد أن‬
   ‫استراتيجيات التنمية‪ .‬ذلك‬    ‫البلدان وفيما بينها‪ ،‬وهذا في‬   ‫الربط البسيط بين المشاركة‬
 ‫لأن الاستراتيجيات المحافظة‬       ‫حد ذاته فشل‪ .‬وليس أدل‬      ‫والديمقراطية هو طرح يتسم‬
 ‫في التنمية تسلط الضوء على‬        ‫على هذا الفشل من الواقع‬       ‫بالسذاجة‪ ،‬فالأمر لم يكن‬
   ‫استثمار رأسمال كمصدر‬           ‫الذي يقرر أن الفقر وعدم‬      ‫أب ًدا بتلك البساطة‪ ،‬والحالة‬
    ‫للنمو الاقتصادي‪ ،‬بحيث‬       ‫المساواة لا يزالان راسخين‬        ‫المصرية بعد ثورة يناير‬
 ‫يتم احتساب مشاركة الناس‬        ‫في جميع أنحاء العالم‪ ،‬وهو‬     ‫‪ 2011‬مباشرة مثال واضح‬
‫فقط في وظائفهم الاقتصادية‬                                      ‫لذلك‪ .‬إذن من أين اكتسب‬
 ‫كعمال ومستهلكين‪ .‬ولتلبية‬
     ‫الحاجة إلى تحقيق النمو‬                                        ‫المجتمع المدني كل تلك‬
   ‫مع تعزيز مبدأ الإنصاف‪،‬‬                                     ‫الأهمية في العقود الأخيرة؟‬
  ‫تحاول بعض استراتيجيات‬
  ‫التنمية أن تضمن مشاركة‬                                         ‫فيما يلي إجابة مقترحة‪.‬‬
  ‫الأفراد ولكن هذا لا يتم إلا‬
   ‫في نطاق محدود‪ ،‬فالأفراد‬                                      ‫المجتمع المدني‬
     ‫يقدمون الخدمات العامة‬                                         ‫والعولمة‬
   ‫دون تدخل في التخطيط أو‬
 ‫السيطرة على مسار التنمية‪.‬‬                                      ‫واستراتيجيات‬
    ‫واستجابة لذلك‪ ،‬أضحت‬                                             ‫التنمية‬
     ‫استراتيجيات التنمية في‬
     ‫الآونة الأخيرة تدعو إلى‬                                       ‫لم يكن لهذا الاعتراف‬
   ‫«تنمية محورها الإنسان»‪،‬‬                                        ‫المتزايد بالمجتمع المدني‬
‫ولهذا تفضلها معظم المنظمات‬                                      ‫أن يوجد بدون «العولمة»‪،‬‬
 ‫غير الحكومية‪ .‬وهذا التحول‬                                       ‫فعلى المستوى الوظيفي‪،‬‬
                                                                 ‫زادت العولمة من الترابط‬
                                                              ‫بين شعوب العالم المختلفة‪،‬‬
   155   156   157   158   159   160   161   162   163   164   165