Page 47 - ميريت الثقافية العدد (32)- أغسطس 2021
P. 47
45 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية-حوار
الواقع ويمنع رأسه من البقاء فوق السحب .وهذا من قبل؟ وهل أصبح القارئ العربي
بغرابة كبيرة يجعل نظام الإحالة على الواقع قو ًّيا أكثر تق ُّب ًل لهذا النوع الأجنبي عنه
فينتج خطا ًبا يحظى بنوع من الاهتمام العام لدى بشكل ما؟
القراء ،في حين نرى الخيال العلمي الغربي منذ قرنين
تقريبًا يظل أد ًبا للناشئة فقط ،فكأن القارئ الكبير لقد أسلفت القول في غير هذا الموضع ،وفي عدة
مناسبات عديدة ،بأن فكرة أن الخيال العلمي غير
الناضج الجاد ليس قار ًئا للخيال العلمي. مناسب لبيئتنا المحلية هي فكرة غير صحيحة ،وأن لي
من جهة أخرى يرتبط عندنا الخيال العلمي إلى
حد السذاجة بفكرة التنبؤ؛ وهذا أمر يبدو أحيا ًنا مقاربة مختلفة للأمر.
مضح ًكا لأننا نرى كثي ًرا من الكتاب (والكاتبات في أعتقد أن السبب حضاري سياسي؛ فالخيال العلمي
هذا أشد سخافة من الكتاب) يعود إلى جمل مجتزأة أدب نظري ،يحاول هندسة أشياء المستقبل .هو أدب
من تخييلهم ،ويقولون لقد تنبأت بالربيع العربي في
روايتي قبل حدوثه ،لقد تنبأت بأن البيضة ستفقص إنسان متمكن من الزمن وفاعل في الحياة مصمم
وتصبح دجاجة ،لقد تنبات بأن المريض سيموت وهذا للأشياء من حوله .أما الأنظمة السياسية التي ظلت
لم يره أحد قبلي ..ولكن فيما عدا هذا النزوع فإننا مهيمنة على العرب منذ الفترة الاستعمارية؛ والتي
نجد في الخيال العلمي الجيد كثي ًرا من التنبؤات ذات
الطابع النقدي السياسي؛ لأنني شخصيًّا أعتبر كل يتواصل كثير منها على الإيقاع نفسه ،فهي أنظمة
كتابة خالية من الهاجسين السياسي والتاريخي كتابة تنظر إلى العربي كفرد مسلوب الإرادة ،ولا تحبذ
فكرة التفكير النظري في إمكانيات أخرى للحياة ،وهي
بلا جدوى. فكرة تحاربها الأنظمة القائمة دينيًّا بخلفية الكفر
وقد لا يعدو هذا أن يكون مزا ًجا شخصيًّا غير قابل والتجديف والزندقة العقلية .لهذا يتطور عندنا الأدب
الرومانسي كثي ًرا ،فهو أدب الإنسان المغلوب على
للتعميم.
أما ع َّما يمكن وصفه بالبصمة العربية للخيال العملي أمره ،مسلوب الإرادة.
عندنا ،فالخصوصية العربية الأبرز ستكون بلا أدنى يبقى أن السبب المذكور عمو ًما حول فقر الحياة
شك تلك المسحة الأخلاقية التي يبدو أن العالم يسير اليومية إلى الجانب العلمي سبب مقنع أي ًضا ،وإن
كانت الأمور بصدد التحرك منذ عشرية أو عشريتين،
بسرعة صوب التخلص منها .وهذا في المطلق أمر فمن المهم أن نجد على لوائح البوكر مث ًل راويتين
بائس ج ًّدا ..دعيني أتنبأ لك من هذا المنبر المحترم بأنها من الخيال العلمي تفوزان بالجائزة :راوية أحمد
السعداوي ورواية إبراهيم نصر الله ..وغيرهما في
نزعة ستعرف ردة عميقة في السنوات القليلة المقبلة.
غير هذه الجائزة كثير.
داخلنا هل يوجد ضمير متكلم؟
ما تقييمك للخيال العلمي العربي؟ هل
نحن دائ ًما نتكلم إلى مخاطبين افتراضيين كثيرين تقرؤه باهتمام؟
يسكنون زوايا صمتنا .الإنسان حيوان متكلم .وهذه
ليست مجرد جملة موفقة فقط ،إنها حقيقة صميمية. شخصيًّا أحب الخيال العلمي العربي كثي ًرا ،لأنه
داخلنا يوجد متكلمون كثيرون لا يهدأون على حال، متخلص من النزوع صوب التمتع بالخيال المجنح
الذي أفسد كثي ًرا من خ ع في الغرب ..هنالك نزوع
وقلما يتفق هؤلاء الفاعلون الذين يعتملون داخلنا.
الحياة مبنية على التعدد ،والتعدد الجوهري في الحياة غربي وشرقي صوب العجائبيات قد يفسره
إغراق عالمنا في التقنية والتنظيم ،خ ع لدينا نحن
لا باب لترجمته على أرض الواقع مثل باب الكلام العرب مسكون بقضايا عامة كالشأن السياسي
الكثير المتعدد وحتى الفوضوي الذي يتحرك دو ًما
والأيديولوجي ،هو خيال علمي لم يتخلص من
داخلنا الجاذبية .خيال علمي يحافظ على قدميه على أرض