Page 16 - حلقة دراسية - نهائية
P. 16
إلا أن أدب الأطفال خفت ضوؤه ،بل كاد أن يتلاشى بعد وفاة رفاعة الطهطاوي؛ إذ تََد ْهَوَر التعليُم في مصر إلى حد
كبير ،مما جعل هذه الجذوة من الأدب تَ ْخِف ُت وتكون من المنسيات تقريًبا .فلم يهتم أولو الأمر بالعلم بوجه عام.
َفتَ َض ْع َضع أد ُب الأطفال؛ لأنه من الاهتمامات الحديثة العهد إلى حد ما .وبما أن أدب الأطفال صعب الم ارس
ويحتاج إلى متمرسين بأمور شتى من الحياة ،فقد ابتعد عنه جل الأدباء؛ لكن العملي َة لم تنعدم تما ًما؛ فقد ظهر
الكاتب «محمد عثمان جلال» في حكاياته تحت عنوان «العيون اليواقظ في الأمثال والمواعظ» .لكنها أهملت نظًار
لركاكة أسلوبها وما تضمنته من أخطاء تضر ببنية الطفل العلمية والأدبية أكثر مما قد تفيده ،وتلا «جلال الكاتب
عبد الله فريح» بما قدمه في كتابه «نظم الجمان من أمثال لقمان» والذي يضم خمسين أرجوزة تقريًبا .وهذه الأ ارجيز
عبارة عن معلومات أقرب إلى ذوق الكبار منها للصغار.
أدب الطفولة عند العرب قد بدأ فعلاً على يدي الشاعر الكبير «أحمد شوقي» الذي تثَّقف ثقاف ًة عربي ًة إسلامي ًة قبل
ذهابه لفرنسا لد ارسة الحقوق ،ومن ثم تثقف بالثقافة الأوروبية ،والفرنسية منها على الخصوص .وهذا ما عناه «طه
حسين» في كلامه عن شوقي :فحينما «ذهب إلى فرنسا في آخر القرن الماضي إذا ذكر الشاعر ،ذكر لمارتين و
«بحيرتـ»ـه التي ترجمها إلى العربية أو ذكر لافونتين وأساطيره؛ وإذا ذكر الفلسفة ،ذكر جون سيمون .ومن المحقق أن
آثار لامارتين ولافونتين آيات من الأدب الفرنسي».21
إن ثقافة شوقي العربية الإسلامية جعلت منه إنساًنا ميالاً إلى حب المعرفة والتجديد .وبذلك توجه صوب أدب الأطفال
الذي يحتاجه الوطن العربي إلى جانب احتياجاته في ضروب الحياة الأخرى من فكرية وعلمية وثقافية وغيرها .فبدأ
ممارسة الكتابة للأطفال ،إذ قال« :وجربت خاطري في نظم الحكايات على أسلوب لافونتين الشهير .وفي هذه
المجموعة القصصية التي صدرت عام 0090شيء من ذلك .فكنت إذا فرغت من وضع أرجوزتين أو ثلاث ،أجتمع
بأحداث المصريين وأق أر عليهم شيًئا منها ،فيفهمونها لأول وهلة ويأنسون إليها ويضحكون من أكثرها ،وأنا أستبشر
لذلك .وأتمنى لو وفقني الله لأجعل للأطفال المصريين مثلما جعل الشع ارء للأطفال في البلاد المستحدثة منظومات
21حسين ،طه .حافظ وشوقي .ط .4مصر :مكتبة الخانجي ،0930 ،ص.011
16