Page 288 - merit 52
P. 288

‫فيما بينها‪ ،‬لأنه يرتبط بالأحداث‬                      ‫عبد الله بريمي‬                                ‫رولان بارت‬
                    ‫والجزئيات‪.‬‬
                                          ‫وليست مجرد آلة لنقل أخبار أو‬         ‫وكل ما يتعلق بهما‪ ،‬ويتجلى هذا‬
‫يرى لوتمان «أن الذاكرة هي أشبه‬                       ‫معلومات قد مضت‪.‬‬             ‫الإشكال في فكرة إعادة تمثيل‬
‫ما تكون بمولد يعيد إنتاج الماضي‬
                                              ‫فإذا كانت مهمة الذاكرة هي‬        ‫الماضي التاريخي‪ ،‬هذا الأخير لا‬
     ‫من جديد‪ .‬أي إنها قادرة على‬               ‫حفظ الماضي حسب عبد الله‬           ‫يبدأ مع التاريخ‪ ،‬بل مع الذاكرة‬
‫تحويل كل السيرورات التي نقلها‬               ‫بريمي‪ ،‬فإن مهمة التاريخ هي‬
                                             ‫إعادة بناء ما حفظته الذاكرة‪،‬‬          ‫«لما لهذه الأخيرة من امتياز‬
   ‫إلينا الفكر الماضي‪ ..‬إن العلاقة‬          ‫حيث يقول «ولما كانت الذاكرة‬            ‫في التعرف مباشرة وبشكل‬
     ‫المتبادلة بين الذاكرة الثقافية‬          ‫عبارة عن صور‪ ،‬فإن التاريخ‬           ‫حدسي على الصور التي ظلت‬
                                          ‫هو الصيغة اللفظية المعبرة عنها‪،‬‬          ‫منطبعة وراسخة في أذهاننا‬
  ‫والتأمل الذاتي هي علاقة تشبه‬                ‫وعليه فالذاكرة تشكل خ َّزا ًنا‬      ‫باعتبارها علامة على ماضينا‪،‬‬
   ‫الحوار المستمر والدائم»(‪ ،)٧‬أي‬            ‫تتجمع فيه كل الصور العقلية‬       ‫خاصة حينما يتعلق الأمر بما ٍض‬
  ‫أن العلاقة بين الذاكرة والثقافة‬           ‫والفعلية والماضية والحاضرة‪،‬‬       ‫معطوب ومثخن بالجراح‪ ،‬مع كل‬
                                          ‫فهي عصب التاريخ الذي يحضر‬           ‫الصعوبات المرتبطة بنسبية وعدم‬
     ‫تتجلى في إعادة الماضي بفعل‬           ‫فيه الغياب»(‪ ،)٦‬وبالتالي فالذاكرة‬    ‫صدقية هذه الذاكرة»(‪ ،)٥‬لأن كل‬
     ‫قوة الذاكرة‪ ،‬هذا الاسترجاع‬           ‫والتاريخ يشكلان وج ًها لصورة‬          ‫ما نتذكره ليس بالضروري أن‬
   ‫يحمل دلالات وعلامات تندرج‬               ‫واحدة‪ ،‬لا يمكن الفصل بينهما‪،‬‬       ‫يكون واقعي‪ ،‬أو وقع في الماضي‪،‬‬
    ‫ضمن فضاء الثقافة‪ ،‬وبالتالي‬           ‫أي عندما نتحدث عن الماضي فإنه‬              ‫بل قد يكون حدث أو رؤية‬
  ‫تشكل محو ًرا دراسيًّا مه ًّما لدى‬        ‫بدوره نتحدث عن الذاكرة‪ ،‬رغم‬           ‫مرتبطة بحلم في أحد المنامات‪.‬‬
      ‫السميائيات الثقافية‪ .‬كما أن‬           ‫أن هذه الأخيرة ما زالت عالقة‬       ‫ويمكننا تعريف الذاكرة ببساطة‪،‬‬
 ‫للثقافة ارتباط بالإنتاج الجماعي‪،‬‬            ‫في إشكالية النسيان والتذكر‪،‬‬            ‫على أنها القدرة على الحفاظ‬
 ‫على مستوى تحديد معالم الثقافة‬               ‫لأن الذاكرة يصيبها عطب ما‪،‬‬       ‫وإعادة إنتاج أخبار ما‪ ،‬فهي تشبه‬
‫وحدودها وطرق تشكلها‪ ،‬فالإنتاج‬             ‫والتاريخ يتطلب حلقات مترابطة‬        ‫شريط يسجل ما وقع‪ .‬إن الذاكرة‬
      ‫الفردي يظهر غائبًا في طرح‬                                               ‫تع ُّد حوا ًرا بين الماضي والحاضر‪،‬‬
    ‫لوتمان عند حديثه عن الثقافة‬

                  ‫وبناء الذاكرة‪.‬‬
      ‫لا تنحصر الذاكرة في إعادة‬
       ‫الماضي وحفظ التاريخ‪ ،‬بل‬
    ‫تتجاوز ذلك إلى تأسيس نسق‬
     ‫خاص بها إلى جانب الثقافة‪.‬‬
   ‫فنسق الذاكرة يتميز بالتناقض‬
 ‫والحركية والتفرع‪ ،‬لذلك تشتغل‬
 ‫الذاكرة دائ ًما عبر مصافي مختلفة‬
    ‫ومتنوعة‪ ،‬وهي مصافي ثقافية‬
   ‫ثم سياسية وأيديولوجية‪ ،‬فهي‬
      ‫بالنظر إلى «اشتغال الذاكرة‬
‫بوصفها مصفاة‪ ،‬فإنها سوف لن‬
  ‫تكون تسجي ًل أو تدوينًا بسي ًطا‬
    ‫ونق ًل مسترس ًل للأحداث‪ ،‬بل‬
    ‫إنها تملك دائ ًما طاب ًعا ترميميًّا‬
    ‫أو إعادة بناء»(‪ ،)٨‬حيث تتكون‬
   ‫كل ذاكرة ثقافية من سلسلة لا‬
   283   284   285   286   287   288   289   290