Page 286 - merit 52
P. 286

‫العـدد ‪52‬‬                         ‫‪284‬‬

                                       ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

   ‫قابل للتطور والمقارعة الفكرية‪.‬‬           ‫الدلالي المعبر عن نمط فكري‬       ‫إلى التجربة الإنسانية العادية‪،‬‬
        ‫يعد النص حسب لوتمان‬             ‫معين لمجتمع ما‪ ،‬وليس هي فقط‬      ‫شريطة أن تكون هذه الموضوعات‬
                                       ‫مجموعة من الممارسات والأفعال‬      ‫جز ًءا من سيرورة دلالية‪ .‬وبالتالي‬
    ‫فسيفساء ثقافي متعدد الصيغ‬
  ‫واللغات‪ ،‬حيث يجمع حسب عبد‬                 ‫التي نلاحظها وننتقدها هنا‬      ‫فالسميائيات تهتم بكل مجالات‬
‫الله بريمي «كل من ليفي ستروس‬           ‫وهناك‪ ،‬ونؤولها من زاوية ضيقة‬              ‫الفعل الإنساني وسلوكه‪.‬‬
   ‫ورولان بارت‪ ،‬ويوري لوتمان‬
                                          ‫إلى فضاء مفتوح يسمح بتعدد‬        ‫يرجع سبب ارتباط السميائيات‬
   ‫وبياتيغورسكي‪ ،‬وفاينير إرين‬          ‫الدلالات والمعاني المتضمنة داخل‬            ‫بالثقافة إلى تطور العلوم‬
  ‫بورتيس وجون غالاتي وإليزاب‬           ‫الثقافة‪ ،‬بل تتعدى ذلك إلى كونها‬
 ‫فاين‪ ..‬وكل من حذا حذوهم بأن‬                                              ‫الإنسانية‪ ،‬حيث أصبحت الثقافة‬
   ‫الثقافة هي نسق ومجموعة من‬               ‫مجموعة من النصوص‪ ،‬التي‬          ‫مجا ًل واس ًعا لارتباطها بمناحي‬
 ‫النصوص»(‪ )١‬المرتبطة فيما بينها‬           ‫تحمل وص ًفا تاريخيًّا‪ ،‬وذاكرة‬
 ‫بمجموعة من الرموز والدلالات‪،‬‬              ‫جماعية‪ ،‬وإرساليات سردية‪،‬‬             ‫الحياة الإنسانية‪ ،‬فأضحت‬
                                        ‫تحمل هوية لمجتمع ما‪ .‬وحديثنا‬           ‫بذلك الثقافة ن ًّصا له أسسه‬
         ‫بيد أن كل نص من هذه‬            ‫هنا حسب رأي عبد الله بريمي‪،‬‬            ‫ومفاهيمه‪ ،‬يتجاوز مفهومه‬
‫النصوص يتميز بنسق يميزه عن‬                 ‫أن الثقافة تحولت إلى نص ذا‬      ‫العادي‪ ،‬الذي كان مرتبط باللغة‬
                                       ‫بنية مركبة ومنظمة قابلة للقراءة‬     ‫واللفظ والتواصل‪ ،‬لكون الثقافة‬
   ‫الآخر‪ ،‬مما دفع عبد الله بريمي‬       ‫والتحليل‪ ،‬وبالتالي لم يعد مفهوم‬    ‫ترتبط بالذاكرة والتاريخ والزمن‬
 ‫إلى طرح مجموعة من التساؤلات‬             ‫النص رهين للشكل والمضمون‬
                                       ‫والتصور الكلاسيكي الذي نحمله‬              ‫والحوار وأشكال التعبير‪،‬‬
      ‫في هذا السياق‪ ،‬حيث يقول‪:‬‬            ‫في وعينا عنه‪ ،‬بل أضحى أكثر‬            ‫والنسق‪ .‬كما يفسر اهتمام‬
 ‫«ولكن ما هو المعنى الدقيق الذي‬          ‫اتسا ًعا من ذي قبل‪ ،‬ليشمل كل‬      ‫السميائيات بالثقافة أو ما يطلق‬
  ‫ينبغي أن نسنده لهذا التعريف؟‬           ‫ما يعبر عن التجربة الإنسانية‪،‬‬   ‫عليه بـ»السميائيات الثقافية»‪ ،‬إلى‬
 ‫فإذا استعملنا كلمة نص باعتباره‬                                             ‫كون الظواهر الثقافية بوصفها‬
                                             ‫فالثقافة نص‪ ،‬والفن نص‪،‬‬         ‫أنظمة من العلامات القائمة على‬
   ‫مجموعة من العلامات اللفظية‪،‬‬          ‫والموسيقى نص‪ ،‬والرقص نص‪،‬‬              ‫الحوار والتواصل‪ ،‬فالعلامة‬
‫فإننا سنكون لا محالة أمام وضع‬           ‫وبهذا يضعنا السميائي عبد الله‬     ‫حسب سوسير هي وحدة ثنائية‬
                                       ‫بريمي أمام مشروع نقدي جديد‪،‬‬            ‫تتكون من وجهين هما الدال‬
     ‫يقضي العديد من النصوص‬                                                 ‫والمدلول‪ ،‬فالأول صورة سمعية‬
‫داخل ثقافة ما؛ فالثقافة لا تشتمل‬                                           ‫والثاني صورة ذهنية‪ ،‬بحيث لا‬
                                                                          ‫يمكن الفصل بينهما‪ ،‬فإنتاج هذه‬
  ‫فقط على ما هو لفظي‪ ،‬بل أي ًضا‬                                          ‫العلامة يكون داخل أنساق ثقافية‪،‬‬
     ‫هناك ما هو غير لفظي داخل‬                                            ‫ما جعل السميائيات الثقافية تعمل‬
    ‫هذه الثقافة‪ .‬هل يعد النص في‬                                             ‫على فك شفراتها وأبنيتها التي‬
                                                                           ‫تشكلها والتي ترمي إليه‪ ،‬بهدف‬
‫أدبيات لوتمان السميائية نموذ ًجا‬                                          ‫فهم أكثر عن طريق التأويل الذي‬
  ‫مصغ ًرا للثقافة‪ ،‬قاد ًرا على إنتاج‬                                        ‫يعطي ما لا نهاية من القراءات‬
 ‫دلالات لا حصر لها؟ وهل يمكن‬
‫الإقرار بأن الممارسة السميائية قد‬                                                                ‫والفهم‪.‬‬
 ‫نحت من ًحى مغاي ًرا عندما حاولت‬
   ‫الانتباه إلى الهامشي في النص‪،‬‬                                         ‫أو ًل‪ :‬النص والنسق‬
‫فلا يكون النص‪ ،‬آنذاك إلا مغمو ًرا‬                                              ‫الثقافي‬

    ‫بحركتي التاريخ والثقافة؟ ألا‬                                         ‫لا تنحصر الثقافة في بعدها‬
  ‫يقتضي مثل هذا التصور النظر‬
 ‫إلى الثقافة باعتبارها حد ًثا نصيًّا؟‬

    ‫وماذا يعني لوتمان بقوله‪ :‬إن‬
   ‫الثقافة في مجملها‪ ،‬تعد ن ًّصا ذا‬
   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290