Page 90 - merit 52
P. 90
العـدد 52 88
أبريل ٢٠٢3
أحمد مبارك
(السودان)
تدابير المصادفة
منحد ٍر أسفل النهر! الروح شأنها آخر ،لكن رغبة جسدي وعوزه إلى
كان النهر في أوج جنونه .كنت أقف أعلى الكوبري الكنف فاقت احتماله .رأسي يمور بأفكا ٍر مشوشة.
أتأمل الموج ،أشهد تحطمه وانكساره .كم أشبه موج ًة
هذه اللحظة .أشعر كأن بعضي يحوم حولي ،جسد مستل ٍق على سري ٍر ،وجهي إلى السقف .هناك ،على
لم ألتقه قب ًل ولكنه يسعى لأن يلتئم معي .تململت السقف المتأهب للانهيار ربما اللحظة ،أحصيت ثلا ًثا
في وقفتي .رفعت ذراعي عاليًا أتمطى .وبمجرد أن وثلاثين عارض ًة أستطيع ،غيابيًّا ،توصيفها .لا مكان
اخترقتني بسهم لحظها؛ تحقق وجودي ،صرت مرئيًّا
بما يتيح لي الشعور بجسدي يخترق الزحام .و بدا يحتمل وجودي ،لا مكان أحتمل أنا وجودي فيه؛
لي أن الأجساد في حياتها إنما تسعى ،في كل خطو ٍة بل لست متحق ًقا إن كان ما يسمى أناي موجود
وعثر ٍة؛ للالتئام ،بلا وع ٍي ،إلى بعضها الغائب؛ ذلك أص ًل .لذلك سأقوم بمحاول ٍة أخير ٍة لرد الاعتبار إلى
أن الحضور هو اكتمال بغياب الفرد في الفرد .وهنا
تمثل الروح الزئبق الذي يفصل ذرات الذهب عن بقية ما يسمى :جسدي ،وتغليفه ببعض ورق الإحاطة.
العناصر؛ وتسمى شوائب ،ليلتئم شتات الذهب في
سأرتاد مكا ًنا لم أحدده بعد .أتأنق بما يفوق العادة؛
جس ٍد واح ٍد. كأن أحلق شعري ،أرش القليل من عطر الـ(ون مان
هي وحيدة مثلي ،أو واحدة كما هو حالي .وفيما كنت
أنزل بخف ٍة و بلا عج ٍل أسفل النهر؛ شعرت بجسدها شو) على قميصي وراحة يدي ،كما لا أنسى عنقي؛
تحسبًا للعنا ٍق .سيكون لائ ًقا بالأصيل ارتداء حذا ٍء
يهتز ،وكلما دنوت خطو ًة ندت عنها التفاتة .وقفت رياضي لتكثيف شعور الخفة عند قدمي ،على الأقل.
استجمع أنفاسي مخفيًا ما استطعت من انتفاخ رئتي
بالهواء .توقفت يدها عن حصب النهر بالحصى كأنما يجب أن أجلس في مقدم المركبة بحيث أختزل مجمل
الوجود في الطريق غير المعبدة؛ تفاد ًيا لأية صحب ٍة
شلت ،وعجزت قدماي أنا عن الخطو .لكني انحنيت طارئ ٍة .لا خبرة لد َّي بالمواعدات الغرامية؛ لكن من
وخمشت كومة ح ًصى ورحت أحصب النهر بينما يراني سيظن بي ذلك .وبينما ينتهر السائق العربة،
يخف وزني .وحينها كان قد التفت جيدها الفخاري
ناحيتي فصرت أنا المجال المقابل المقابل .من خلفها وتعبر الطريق إلى الخلف كأنما تختلج عيني؛ يهمس
اختفى النهر وبقي جسدها -الذي لا يشبه أي جس ٍد
أنثوي رأيته -يشف كمن أشعلت في جوفه المصابيح. داخلي صوت:
بدأت تنمو حول جسدي سياق إحاط ٍة جعلت أمر “بسبع وسائد محشو ٍة بالسحاب الخفيف انتظرها..
اكتنافه حاد ًثا وشي ًكا .إذ إن التقاءنا كان كائنًا، ومس على يدها عندما تضع الكأس فوق الرخام..
أسا ًسا ،في العدم الموحش في تربة الأزل ،وخيوطه
كأنك تحمل عنها الندى».
مسوي ًة بيننا في تمام النسج .بهذه الخطوة التي
أمامي تغيم الطريق ثم تختفي .ثم سحب تغطي
هامة الجبل؛ كأنما أهال الله عليها حليبًا فتجمد.
انعدم شعوري بما حولي فتماهى الوجود ف َّي .صرت
شاس ًعا وضئي ًل بما يكفي لأن أكون أنا الوجود ذاته.
وإذ السحب رابضة أعلى الجبل ،رأيتني أعبئ لها
الوسائد ،وأنثر البخور على مبخ ٍر فخاري بيننا عند