Page 143 - merit 53
P. 143

‫نون النسوة ‪1 4 1‬‬                                         ‫يصف موت صاحبه‪ ،‬وما أسبغه عليه من نعم وأيا ٍد‬
                                                         ‫بيضاء‪ ،‬وما أصابه هو من حزن على فقده‪ ،‬كل ذلك‬
 ‫ثم إن العدول عن ذلك الوصف بضمير الغائب إلى‬              ‫في سر ٍد رائ ٍع يقتل أى فرق بين زمي َل ْي ِن على الأرض‬
    ‫الحديث بضمير المتكلم جاء عن طريق تقنيتين‪:‬‬              ‫هما الإنسان والحيوان‪ ،‬هى ‪-‬أى الكاتبة‪ -‬تقو ُض‬
   ‫‪ -1‬التقابل بين الضميرين في جملة فعلية تحوي‬
    ‫نو ًعا من الإيقاع المعنوي ( َع َر ُفوها‪ -‬عرفناها)‪..‬‬        ‫وتهدم الخط الفاصل بين البشر والحيوانات‪،‬‬
                                                              ‫مؤطرة الحبكة الأساسية بما يمكن أن نسم َيه‬
  ‫فإن تكرار الحروف بعينها في الكلمتين مع انتقال‬            ‫‪ Biophilia‬وهو شعور ارتباط الإنسان بالكائنات‬
       ‫الضمير من الغائب إلى المتكلم خلق نو ًعا من‬         ‫الحية غير البشرية‪ ،‬تقول‪« :‬الضو ُء الخافت يتسلل‬
                                                               ‫حذ ًرا من بين شقوق الباب‪ ..‬يجذب عينى إلى‬
    ‫الموسيقى التي تضفي على المشاعر طاب ًعا يمكن‬          ‫الداخل‪ ،‬وبخاصة فراشه البالي الذي يرقد فوقه كل‬
   ‫إدراكه ذهنيًّا‪ ،‬وتجعل اللا متحدد محد ًدا واضح‬          ‫ليلة‪ ،‬بعد يوم شاق يغيب عن البيت وعني لساعات‬

      ‫المعالم‪ ،‬وتصبغ الجو العام للصورة الوصفية‬                                                   ‫طويلة»‪.‬‬
       ‫بصبغة من الدراماتيكية المأساوية الحزينة‪.‬‬
                                                                ‫ثال ًثا‪ :‬سيميائية الافتتاح‬
     ‫‪ -2‬ثم إنه كان إيذا ًنا بإدراج نوع من الديالوج‬
     ‫الفردي؛ إذ إنه من طرف واحد لا نسمعه نحن‬                  ‫الافتتاح هو محل ابتداء السرد‪ ،‬ولحظة الإنباء‬
    ‫الأحياء‪ ،‬هو من أموات وضحايا‪ ،‬فارقوا الحياة‬           ‫بكيفية انبثاقه وتشكله وف ًقا ل ُخطة فريدة من نوعها‬
‫نتيجة ذلك القصف‪ ،‬تولت الكاتبة أمر َب ْو ِحهم؛ كيما‬
  ‫تعرض في الأخير ذلك الحدث المأساوي‪ ،‬ممتز ًجا‬               ‫تختلف من قصة لأخرى؛ بحيث إنها لا يمكن أن‬
      ‫بانفعالاتها النفسية‪ ..‬فإن الحوار أو الديالوج‬           ‫تطابق تطاب ًقا تا ًّما أى فاتحة نصية أخرى؛ فهى‬
                                                         ‫لحظة تأسيس بكر لأصالة كيا ٍن لغوى طري ٍف‪ .‬وقد‬
      ‫من أهم الوسائل التي يعتمد عليها الكاتب في‬            ‫تنوع الافتتاح القصصي في طريقة السرد ما بين‬
  ‫رفع الحجب عن عواطف الشخصية وأحاسيسها‬                       ‫ضمير المتكلم والغائب‪ ،‬فمث ًل فى قصة (ناجية)‪،‬‬
                                                           ‫نجدها تبدأ بضمير الغائب في وصف (أم سليم)‪،‬‬
      ‫المختلفة‪ ،‬وشعورها الباطن تجاه الحوادث أو‬              ‫ثم يتحد معه ضمير المتكلم‪ ،‬متمث ًل في شخصية‬
                           ‫الشخصيات الأخرى‪.‬‬               ‫أخرى‪« :‬نظراتها لاهثة كأنفاسها‪ ،‬تنظر ولا تبصر‪،‬‬

   ‫‪ -‬أي ًضا في قصة (شارع)‪ ،‬رغم كونها تبدأ بداية‬                 ‫همهمات صوتها غير مفهومة‪ ،‬ترفع قدميها‬
        ‫وصفية لشارع ما‪ ،‬غير أنها تتخذ نو ًعا من‬             ‫الحافي َت ْين من موضع لآخر وكأنهما تبحثان عن‬
                                                             ‫شيء‪ .‬منذ الوهلة الأولى عرفوها نعم عرفناها‬
     ‫الفلكلورية المدعومة بصبغة جاذبة للمتلقي أو‬
   ‫القارئ‪ ،‬تشبه المقدمة الغزلية التي كانت تبدأ بها‬                         ‫تلك أم سليم‪ ،‬زهرة نساء حينا‪،‬‬
                                                                           ‫عم تبحثين يا أم سليم؟»‪ .‬تتكئ‬
     ‫المقدمة الجاهلية؛ كي تشد السامعين وتجذبهم‬
      ‫إليها‪ ..‬ثم لجأت الكاتبة إلى توقيع تلك المقدمة‬                          ‫الكاتبة على الوصف مستعينة‬
     ‫الوصفية‪ ،‬بإدراج جزء من أغنية نجاة‪ ،‬كحيلة‬                                      ‫بالمجاز واللغة الشعرية‬

        ‫من حيل التحكم النغمي‬                                                  ‫والصورة الفنية‪ ،‬فنجد مث ًل‪:‬‬
  ‫‪ ،Tonal control‬تقول المقدمة‬                                             ‫‪ -‬الصبح يخشى المجئ‪ -‬صو ٌت‬

     ‫الوصفية‪« :‬الشارع يسكنه‬                                                     ‫خاف ٌت يجتاز الركام حذ ًرا‪.‬‬
‫الصمت‪ ،‬والصم ُت َض ْي ٌف غريب‪،‬‬                                            ‫‪ -‬صو ُت طقطقة منتظمة يخترق‬

  ‫فالعيون المرتقبة كثر‪ ،‬والأفواه‬                                                   ‫سحب الدخان الخانقة‪.‬‬
   ‫المتدلية شب ًقا أكثر‪ ،‬والصوت‬                                              ‫‪ -‬خطوات ملتاعة ُت ْص ِد ُر ذلك‬
   ‫ُي َدوي‪ ،‬وحده ُي َدوي‪ ..‬بإحدى‬
                                                                                               ‫الصوت‪..‬‬
 ‫الأغنيات الشهيرة لنجاة يصدح‬
   ‫ذاك الصو ُت الآسر‪ ،‬وتسبقه‬

 ‫آذان ذاهلة‪ُ ،‬ت ْر ِه ُف ُم ْر َغ َمة لِ ُغ ْن ٍج‬
                  ‫أنث ِوي ُي َردد‪:‬‬

     ‫أنا بستناك‪ ..‬أنا أنا بستناك‬
   138   139   140   141   142   143   144   145   146   147   148