Page 146 - merit 53
P. 146

‫العـدد ‪53‬‬                                               ‫‪144‬‬

                                                        ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

‫دونما اعتداد بالرضا عنه أو السخط عليه‪ ..‬ففي‬                 ‫‪ -5‬يسود في تلك المجموعة القصصية أسلوب‬
‫قصة (الطاحونة)‪ ،‬تعرض لامرأة أرملة وابنتها‪،‬‬                 ‫الميتاقص‪ ،‬ذلك الذي يقف على الحياد بين القص‬
‫فهى تكد وتتعب من أجل تربية ابنتها وإطعامها‪،‬‬              ‫والنقد‪ ،‬تار ًكا للشخصيات أن تتحدث عن نفسها‪،‬‬
‫تطحن قمحها في الطاحونة‪ ،‬تذهب إليها وقت الفجر‬             ‫إن كانت بضمير المتكلم‪ ،‬أو تصفها الكاتبة وص ًفا‬
‫مصطحبة ابنتها معها؛ ذلك لأنها لا تسلم من كلام‬              ‫محاي ًدا‪ ،‬دونما إبداء رأ ٍى خاص مفسر أو ناقد‪،‬‬
‫الناس عنها‪ ،‬لخروجها وقت الفجر‪ ،‬فالمرأة الأرملة‬            ‫إن كانت بضمير الغائب‪ ،‬فقد اعتمدت على الإلماح‬
‫في مجتمعنا عرضة للقيل والقال‪ ،‬تقول‪« :‬لم أسأل‬               ‫والترميز‪ ،‬مثلما في قصة مواء‪ ،‬تقول‪« :‬بدا نباح‬
‫لي‪ ،‬فربما كانت‬      ‫أمي يو ًما عن سبب اصطحابها‬          ‫البولدوج كصدى لصوت يتردد في أحد أحلامها أو‬
‫وأمنًا لا ُي ِحسها‬  ‫تستمد من كفي الصغيرة‪ ،‬قوة‬             ‫ربما كوابيسها‪ /‬ازداد نباح كلب بولدوج‪ ،‬ومواء‬
‫سواها‪ ،‬وربما كن ُت لها ص ًّدا لحكايات أهل القرية‬          ‫قط شيرازي‪ ،‬حاول أن يهرب من محاولات ذلك‬
‫وغمزات نسائها عن تلك الأرملة التي تغادر في‬              ‫الكلب الضخم للن ْيل منه‪ ،‬وهو لا يعي ِ َل يفعل ذلك‬
   ‫الفجر بحجة الطحين‪ ،‬و ُت َرى أين تذهب؟!»‪.‬‬
‫‪ -3‬الدلالة الرمزية‪ :‬حيث يتوارى الكاتب وراء‬                                   ‫به رغم أنه ليس ق ًّطا مثله»‪.‬‬
‫عباراته وخيالاته؛ ليثبت رؤاه المشحون َة بالإيحاءات‪،‬‬
‫غير الصريحة‪ ،‬وإنما هى موحية‪ ،‬متعددة الدلالات‪،‬‬                      ‫ساد ًسا الدلالات الواردة‬
‫ثرية التأويلات‪ ،‬مثلما في قصة (قميص أخضر)‪..‬‬                          ‫في قصص المجموعة‬
‫فإن الأخضر نفسه هو رم ٌز للحياة والخضل‪،‬‬
‫فالقصة تحكي عن امرأة فقدت حبيبها حقيقة‪ ،‬لكنها‬           ‫الدلالة هى فن تقديم المعنى بطرائق إبداعية‪ُ ،‬ت ْظ ِهر‬
‫داخليًّا أو نفسيًّا وروحيًّا لم تفقده‪ ،‬إنها تشم رائحته‬  ‫براعة المبدع‪ ،‬ذلك الذي ُي َح ِّم ُل عتبات نصه طاقا ٍت‬
‫في قميصه الأخضر‪ ،‬إنها تصعد وترتقي معه‬
‫روحيًّا في قدس سموات العشق والتماهي والانتشاء‬           ‫إيحائية تكتنز بالكثير من المعاني الداعمة‪ ..‬من هذه‬

‫الصوفي الرومانسي‪ ،‬وهنا الرمز الشفاف لذلك‬                                                                        ‫الدلالات‪:‬‬
                                                        ‫‪ -1‬الدلالة النفسية‪ :‬في تجسيد شخصيات القصة‬
‫اللقاء الذى تتمناه تلك المرأة العاشقة لحبيب شاء‬         ‫ورسمها‪ ،‬من خلال استعراض أفكارها وتأملاتها‪،‬‬
‫القد ُر أن يفارقها‪ ،‬تقول‪« :‬احتضن كفها وطبع قبلة‬
 ‫على راحتها‪ ،‬وهمس‪« :‬كن ُت أنتظر الموعد‪ ،‬وها قد‬          ‫وردود أفعالها وما تأتيه من أحداث وانفعالات أو‬
                                                        ‫كلمات وعبارات معينة‪ ،‬ومن خلال الوصف ذاته‬
‫جئ ُت»‪ .‬قالها وازداد انسيابهما في السماء‪ ،‬حتى إذا‬       ‫أثناء السرد والتركيز على صفات معينة لأماكن أو‬
‫حانت منهما التفاتة نحو الأرض لم تر غير قميص‬
‫رجالى أخضر اللون‪ ،‬وقد تضاعف حجمه ملايين‬                 ‫أحداث أو أشخاص‪ ،‬ففي قصة (تلك الوردة)‪ ،‬تقول‬
                                                        ‫الكاتبة‪« :‬تلك الوردة التي أهدي َتني يوم غضب ُت منك‬
‫المرات‪ ،‬وما زال يتضاعف‪ ،‬وكأنه يبغي التهام حيز‬           ‫فأسرع َت أنت لشرائها ومحاولة إصلاح الموقف‪.‬‬
‫الكرة الأرضية كلها‪ ..‬وظل يتضاعف ويتضاعف»‪،‬‬
‫ذلك رغم كونها تعطي السيطرة في بداية قصتها‬               ‫أحبب ُتها لكنني لم أقل لك‪ ،‬أعجبتني رائح ُتها ولونها‬
                                                        ‫الأحمر الذي أعشق‪ ،‬لكنني لم أقل لك‪ ،‬ويا ليتني‬
‫لماضوية الأفعال الدالة على الثبات والانتهاء‬             ‫قل ُت»‪ ..‬ففي السرد بضمير المتكلم‪ ،‬تجسد الكاتبة‬
‫والانقضاء‪( :‬أفاقت‪ -‬سارعت‪ -‬استدارت‪ -‬أزاحت‪-‬‬
‫مدت)‪ ،‬ذلك في مقابل المضارع الذي راحت من‬                 ‫الدلالة النفسية للمرأة عامة‪ ،‬في علاقتها بمن تحب‬
                                                        ‫وتدللها عليه‪ ،‬في عدم اعترافها حقيقة أمامه بما‬
‫خلاله تتذكر حبيبها وتعود لمحل ذكرياتها معه‬              ‫تأوصدهداقيابهه‪،‬الإمنقهولِكَةْب ُارلالمشارأئةعة‪:‬ودلالها‬  ‫يعجبها من أفعاله‬
‫وهو بيتهما‪ ،‬لتخلق نو ًعا من الجدلية بين الماضي‬                                                                  ‫وحياؤها‪ ،‬وكأنما‬
‫والمضارع‪ ،‬بين الفقد الحقيقي والتذكر والحب‬
‫الأخضر الذي لا يموت‪ ،‬تلك الجدلية التي تتوازى‬                       ‫(يتمنعن وهن راغبات)‪.‬‬
                                                        ‫‪ -2‬الدلالة الاجتماعية‪ :‬وهى دلالة تتضمن انعكا ًسا‬
                    ‫مع جدليتها النفسية الحائرة!‬            ‫مباش ًرا أو غير مباشر لجملة الأفكار السياسية‬
                    ‫‪-------‬‬                                ‫والأخلاقية والجمالية للمجتمع‪ ،‬فإن الأديب على‬
‫* دكتوراة الدراسات الأدبية‪ ،‬كلية دار العلوم‪،‬‬
                    ‫جامعة القاهرة‪.‬‬                      ‫صلة دائمة بمجتمعه‪ ،‬يناقش قضاياه ويواجهه‬
   141   142   143   144   145   146   147   148   149   150   151