Page 141 - merit 53
P. 141

‫نون النسوة ‪1 3 9‬‬                                                ‫هو أيقونة النوم والراحة والاسترخاء‪ ،‬غير أن‬
                                                             ‫فراغه سوى من هذا العنوان الصادم‪ ،‬إنما يومئ‬
 ‫والاستقصاء لتلك الإفراغات الروحية أو البدنية أو‬            ‫إلى انعدام الراحة القلبية أو السعادة في كل قصص‬
  ‫كلتيهما‪ ،‬من فوق ذلك السرير‪ ،‬الذي من المفترض‬                 ‫المجموعة بطريقة ما؛ لذا كان إصرار الكاتبة على‬
                                                               ‫تلك الأيقونة المفزعة‪ ،‬وهو السرير الفارغ‪ ،‬الذى‬
          ‫أنه موجو ٌد يلوذ به الإنسان بغية راحته!‬            ‫يحمل عنوان كل قصة على اختلاف تلك العناوين‬

       ‫ثان ًيا‪ :‬العنونات الداخلية‬                                ‫في تسميتها في كل قصص المجموعة‪ ،‬هذا من‬
                                                             ‫ناحية‪ ..‬ومن ناحية ثانية‪ ،‬فإن الفيلسوف الألماني‬
 ‫تكونت المجموعة من خمس عشرة قصة‪ ،‬يمكننا أن‬                   ‫‪ Gottfried Leibniz‬كان يعتبر الفراغ ليس شيئًا‬
            ‫نحاول استقراءها من خلال مستو َي ْين‪:‬‬            ‫أو كيا ًنا حقيقيًّا‪ ،‬لكنه مجرد فكرة في عقول البشر‪،‬‬
                                                               ‫فهو نابع من إدراكنا للأشياء‪ ،‬فلو لم تكن هناك‬
   ‫(أ) المستوى التركيبي‪ ،‬فنجدها تتوزع على ثلاثة‬            ‫أشياء لما كان هناك وجود لمفهوم الفراغ‪ ..‬وبناء على‬
                                         ‫أنماط‪:‬‬            ‫ذلك فإن مفهوم الفراغ هو تعميم أو توسيع لمفهوم‬
                                                             ‫المكان ‪ Place‬ونعلم أن المكان ليس شيئًا حقيقيًّا‪،‬‬
   ‫‪ -‬المفردة الواحدة النكرة‪ ،‬مثل‪( :‬ناجية‪ -‬شارع‪-‬‬             ‫لكنه مجرد علاقة ‪ Relation‬بين شي َئ ْين‪ ..‬والفراغ‬
                                    ‫مواء‪ -‬أغا)‪.‬‬            ‫‪ Space‬هو مجموعة الأمكنة ‪ Places‬التي يمكن أن‬
                                                            ‫تتواجد فيها الأشياء‪ .‬وبما أن المكان كما اتفقنا هو‬
  ‫‪ -‬المفردة الواحدة المعرفة‪ ،‬مثل‪( :‬إيزيس‪ -‬الولي‪-‬‬           ‫ليس شيئًا‪ ،‬ولكنه مجرد فكرة أو علاقة‪ ،‬فإن الفراغ‬
          ‫المحجر‪ -‬الحديقة‪ -‬الطاحونة‪ -‬المبروكة)‪.‬‬              ‫هو أي ًضا ليس شيئًا ولكنه مجرد فكرة‪ ..‬ونخلص‬
                                                            ‫من كل ذلك أن الراحة أو السعادة التي هى مفتقدة‬
    ‫‪ -‬الجملة الاسمية‪ ،‬التي ُح ِذ َف أحد طرفيها‪ ،‬مع‬          ‫في جل قصص المجموعة‪ ،‬إنما هى مجرد فكرة‪ ،‬لم‬
    ‫الالتزام بنعت مقترن بما ُذ ِك َر من ُر ْك َنى الجملة‪،‬‬     ‫ولن تتحقق في هذه الدنيا‪ ،‬وما هذا السرير المهيَّأ‬
     ‫مثل‪( :‬قمي ٌص أخضر‪ -‬فراشة خضراء‪ -‬ضوء‬                   ‫للراحة والنوم سوى أمنية مرجوة غير موجودة في‬

                            ‫أحمر‪ -‬سري ٌر فارغ)‪.‬‬                                                ‫هذه الحياة!‬
   ‫‪ -‬اسم الإشارة جاء بعده بد ٌل مطابق‪ ،‬في عنوان‬             ‫ومن ناحية ثالثة وأخيرة‪ ،‬فإن تلك العنونة (سرير‬
                                                             ‫فارغ)‪ ،‬تحوي منعو ًتا نكرة ونعتًا بالكاد هو نكرة‬
                        ‫واحد‪ ،‬هو‪( :‬تلك الوردة)‪.‬‬
     ‫فنجد على الإطار العام لتلك العنونات المختلفة‪،‬‬              ‫(اسم فاعل)‪ ،‬فيمكننا أن نعتبر المنعوت النكرة‬
      ‫في حالة العناوين المفردة‪ ،‬إن كانت نكرة‪ ،‬فإن‬          ‫خب ًرا لمبتدأ محذوف تقديره هذا أو هو‪ ،‬أو أنه مبتدأ‬
   ‫ذلك يكسبها شيو ًعا‪ ،‬وإن كانت معرفة‪ ،‬فإن ذلك‬
   ‫مما يكسبها تخصي ًصا‪ ..‬وفي المجمل فإن ذلك في‬               ‫وخبره محذوف تقديره موجو ٌد‪ ..‬لكن القياس أن‬
‫عمومه‪ ،‬إنما يتناسب مع نصوص القصة القصيرة‪،‬‬                      ‫يكون السرير مفرو ٌغ أو ُم ْف َر ٌغ أى اسم مفعو ٍل‬
    ‫تلك التي تميل إلى الإيحاء والتكثيف‪ .‬ثم إنه من‬               ‫من فرغ أو أفر َغ لا فارغ كما في العنوان‪ ..‬فما‬
‫ناحية أخرى يقوي منظومة الحوار البناء مع العمل‬                 ‫تفسير ذلك الديالكتيك؟ إن أسباب انعدام الراحة‬
    ‫الإبداعي‪ ،‬ويثير جدلية تفاعلية تجاه القصة منذ‬              ‫أو السعادة في كل قصة‪ ،‬إنما هى مختلفة‪ ،‬فكأن‬
    ‫الوهلة الأولى في محاولة مقاربتها واستكناه ما‬
                                                            ‫هذا الفراغ المنعوت به أيقونة الراحة (السرير)‪ ،‬له‬
                        ‫ترمي إليه وتومئ نحوه!‬                 ‫داعموه ومسببوه‪ ،‬الذين تسببوا في هذا الإفراغ‪،‬‬
‫كما أنه في العنونات الأخرى‪ ،‬تلك التي تحوي جم ًل‬               ‫وتلك العدمية الفلسفية للراحة أو الأمن الروحي‬
 ‫اسمية ُح ِذ َف أح ُد طرفيها‪ ،‬فمن المعلوم أن اشتغال‬           ‫والجسدي؛ لذا فإننا في كل قصة بتتبع أحداثها‪،‬‬
 ‫آلية الحذف النحوي في العنوان سواء أكان الحذف‬                 ‫نقوم باستجلاء لحقيقة ذلك الفراغ و َم ْن تسببوا‬
 ‫على مستوى المسند إليه (المبتدأ) أم المسند (الخبر)‪،‬‬              ‫في إيجاده؛ بغية التفكيك والتعرية والتشذيب‬

  ‫إنما تصدم القارئ وتثير لديه العديد من الأسئلة؛‬
‫كي يكمل النقص الدلالي في العنوان‪ ،‬كذلك يزيد من‬
  ‫جدلية الموقف والاستراتيجيات الإبستمولوجية أو‬

    ‫المعرفية‪ ،‬التى تزيد من َح ْي َرة القارئ‪ ،‬واستثارة‬
  ‫كينونته الناقدة والباحثة في آ ٍن‪ ،‬وجود نعت ربما‬
   136   137   138   139   140   141   142   143   144   145   146