Page 17 - merit 53
P. 17
15 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الكتابة ،على مر العصور،
فتبادلوا المعلومات فيما
بينهم وتزاوجت الثقافات
والحضارات فيما بينها
أي ًضا(.)5
وقد عرف العرب قدي ًما
أهمية الترجمة ،فعنوا منذ
عصر الأمويين ،لاسيما في
زمن العباسيين ،بنقل تراث
اليونان والفرس والهند،
وكان للخلفاء العباسيين
الدور الأكبر في تنمية
الترجمة ،وذلك بإنفاق
الأموال الضخمة ،مساهمة
منهم في إذكاء الترجمة
إمانويل كانط تزفيتان تودوروف جيرار جنيت والنقل( ،)6فاهتمت الترجمة
العربية بشرح وتفسير
المهمة مراكز للتعليم وجمعوا حولهم كل عالم قادر ما يقوله ويكتبه الآخر من
على ترجمة أشهر الكتب ولاسيما كتب اليونان(،)10
لغة أخرى إلى لغة المتلقي أو المستمع العربي ،فهي
وبقي الأمر كذلك حتى نهاية الحكم بالأندلس،
فهذه الحركة الترجمية المتميزة في الحضارة بالنسبة للمترجم العربي تفسير فكرة مصاغة من
العربية الإسلامية ،ازدهرت كحركة علمية واسعة قبل غيره ضمن لغة أخرى ،إنها السبيل الوحيد إلى
الانتشار في العصر العباسي ،حيث كانت تستمد
قوتها وحركتها من مدرسة بغداد ومن مجمع علمي تعريب العلم والتعليم ،ولن يتحقق ذلك إلا بوجود
بشكل خاص يسمى بيت الحكمة ،إذ كانت هذه
المدرسة تتصف بالروح العلمية الصحيحة التي المصطلح العلمي والأدبي والفني الذي بدوره لا
كانت مثا ًل يحتذى في المنهج والدرس العلميين،
جعلت العرب ينجزون ،في ثلاثة قرون ،أو أكثر يعم إلا بالترجمة( ،)7فهي صيغة من صيغ التواصل
بقليل ،من الاكتشافات ما يزيد على ما حققه الإغريق الفكري والثقافي ،تقتضي شرو ًطا ،أهمها امتلاك
في زمن أطول من ذلك كثي ًرا( )11فقد أنشأ هارون
الرشيد ،خزانة واسعة للكتب جمع فيها كتبًا في المترجم صفة العلمية وفهم دقيق للغة التي ينقل
علوم مختلفة بلغات مختلفة ،وكان يجتمع المترجمون
والعلماء والكتاب والأدباء كل يوم للترجمة والمطالعة منها وتلك التي يترجم إليها ويعرف خصائصها
والمناظرة .وقد ترجمت كتب كثيرة في علوم مختلفة،
كما وسع المأمون بناية دار الحكمة وأفرد فيها لكل ويستطيع أن يعبر بها عن أي مفهوم أو فكرة أرادها
علم روا ًقا ،فأقبل عليها العلماء وكبار المترجمين
ورجال التأليف ،ومن المترجمين المشهورين (يوحنا في ثقافته الأصلية(.)8
بن البطريق الترجمان) مولى المأمون ،وكان أمينًا على
بدأت الترجمة ،قدي ًما ،شفهية بين الأمم والثقافات،
فالحوار بين حضارات العالم والانفتاح فيما بينها،
قدي ًما وحديثًا ،يعد مفتاح الترجمة ،خاصة حين
يكون التأثير والتأثر وما يولد عن ذلك من مظاهر
حضارية .وهنا تكون (الترجمة) بمفهومها الفني
والعلمي ،الوسيط المشروع والشرعي في آن واحد
لعملية التأثير والتأثر( )9بين الأمم ،لذلك اهتمت
الدولة العربية الإسلامية بأمر الترجمة وأهمية
اللغات الأجنبية في تطور الحضارة ،فلم يلبث الخلفاء
بعد أن شيدوا دولتهم ،أن أنشؤوا في جميع المدن