Page 21 - merit 53
P. 21

‫‪19‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

      ‫تعتمد فنية البيت الشعري المك َّون من شطرين‬          ‫التحريف ‪ L’altération‬لجماعة ‪ Mu‬البلجيكية(‪.)28‬‬
     ‫متوازنين عروضيًّا‪ ،‬وتنتهي بقافية مطردة؛ إلى‬               ‫ومما لاشك فيه أن تراثنا النقدي الأدبي غني‬
    ‫سطر واحد وليس له طول ثابت‪ ،‬وإنما يصح أن‬
    ‫يتغير عدد التفعيلات من سطر لآخر دون التزام‬               ‫بمصطلحات أوجدتها الروح الحضارية العربية‬
                                                           ‫والإسلامية‪ ،‬ومن ضمنها هذا المصطلح‪ ،‬حيث إن‬
       ‫ثابت في القافية»‪ .‬كما عرف عند بعض النقاد‬
     ‫بـ‪« :‬الشعر الموزون المقفى دونما ترتيب‪ ،‬الذي‬             ‫فكرة الانزياح لم تكن خافية على العلماء العرب‬
     ‫يتفاوت عدد التفعيلات في أبياته بالشعر الحر»‪،‬‬             ‫القدامى‪ ،‬وقد أسموها بأسماء أخرى كالعدول‬
   ‫وهو أيضا‪« :‬الشعر العمودي المطور»(‪« ،)32‬الشعر‬             ‫والالتفات والتوسع والترخص أو الضرورة عند‬
 ‫الجديد»‪« ،‬الشعر المعاصر»‪« ،‬شعر التفعيلة»‪« ،‬شعر‬             ‫قيامها‪ ،‬بل أسموها ‪-‬أحيا ًنا‪ -‬في بعض حالاتها‪،‬‬

                                    ‫الحداثة»(‪.)33‬‬                                    ‫لزوم ما لا يلزم(‪.)29‬‬
    ‫وهذه المفاهيم تعود ترجمتها للمصطلح الأجنبي‬             ‫ومع ذلك فإن عملية البحث في القديم العربي عن‬
                                                          ‫جذور للمصطلح المستقدم تبقى مغامرة قد تنتهي‬
      ‫في اللغة الفرنسية ‪ ،Verses Libres‬وفي اللغة‬            ‫في الغالب بالفشل‪ ،‬خاصة إذا كان هذا المصطلح‬
‫الإنجليزية ‪ ،Free verse‬أما ترجمته الحرفية فتعني‬             ‫لم يستقر بعد في منبته على مفهوم قار يسمح له‬
                                                        ‫بالتنقل الآمن‪ .‬فالناقد العربي المعاصر يدرك ‪-‬ولو‬
  ‫«النظم الحر»‪ .‬في حين حاول البعض ربطه ببحور‬            ‫بطريقة لا واعية‪ -‬أن المصطلح المستقدم إذا أرغم‬
‫الشعر العربي القديم وفق نظرية «الخليل الفراهيد‪« ‬‬            ‫على النزول في غير أوطانه يصير يتي ًما‪ ،‬ومع‬
 ‫معتب ًرا الشعر الحر ظاهرة عروضية قبل كل شيء‪،‬‬             ‫ذلك يحاول أن يؤصله فيبحث له عن تاريخ في‬
                                                        ‫غير أوطانه‪ ،‬ويحاول أن يصنع له ذاكرة في غير‬
      ‫لأنه يتناول الشكل الموسيقي للقصيدة ويتعلق‬           ‫تربته‪ ،‬ويجد له آباء مفترضين ولو على سبيل‬
  ‫بعدد التفعيلات في الشطر‪ ،‬ويعنى بترتيب الأشطر‬          ‫التوهم والتخيل والزعم»(‪ .)30‬وهذا لا يمنع المغامرة‬
‫والقوافي وأسلوب استعمال التدوير والزحاف والوتد‬
 ‫وغير ذلك من القضايا العروضية»(‪ .)34‬التي وجدت‬                 ‫والاجتهاد وإلا ستنعزل كل ثقافة عن الأخرى‬
                                                              ‫وتتوقف عن التطور المعرفي والحضاري‪ ،‬فكل‬
                         ‫في عمود الشعر العربي‪.‬‬           ‫ثقافة حضارية‪ ،‬تخلق بشكل دائم مدلولات جديدة‪،‬‬
     ‫والملاحظ مما تقدم ذكره حول مصطلح الشعر‬                ‫إ َّما بحكم استحداث اللغة أو اكتشاف مصطلحات‬
     ‫الحر‪ ،‬أنه يعاني اضطرا ًبا على مستوى المدلول‪،‬‬            ‫جديدة‪ ،‬وبديهي أن المدلولات سابقة لدوالها في‬
 ‫«فقد اس ُتقدم المفهوم‪ ،‬وتمت عملية خلعه من منابته‬          ‫الزمن‪ ،‬لذلك كانت الألفاظ وليدة للمعاني في أصل‬
 ‫والنزول به في غير أوطانه‪ ،‬ف ُح ِّول عن مقاديره‪ ،‬كما‬       ‫نشأتها(‪ ،)31‬فإذا استقرت في الاستعمال وتواترت‬
‫أن هاجس التأصيل كان قد شرع ينخر المصطلح من‬
 ‫الداخل لحظة استقدامه‪ ،‬فاتسعت الفجوة بين الدال‬                        ‫أصبح متف ًقا عليها وصارت متداولة‪.‬‬
 ‫والمدلول‪ .‬فبعدما كان المصطلح في النقد الغربي دا ًّل‬      ‫وإلى جانب مصطلح الانزياح نجد مصطلح الشعر‬
‫على الحرية ‪-‬حالما اس ُتقدم‪ -‬صار دا ًّل على التقييد(‪)35‬‬    ‫الحر‪ :‬إذ يعكس مفهوم هذا المصطلح حالة التخبط‬

           ‫في غالبية مدلولاته عمود الشعر العربي‪.‬‬              ‫التي يعيشها المصطلح النقدي في ظل الفوضى‬
                               ‫مصطلح القصة‪:‬‬               ‫التي يعانيها نتيجة التعريفات التجريبية واختلاف‬
                                                        ‫الترادفات المطلقة عليها‪ ،‬وفقا لعملية النقل من الأصل‬
 ‫ربما لم يعرف مصطلح نقدي من الخلط والغموض‬
       ‫ما عرفه مصطلح القصة‪ ،‬فقد تعددت أشكال‬                 ‫الغربي‪ ،‬الشيء الذي أثار جد ًل ونقا ًشا واسعين‬
                                                            ‫بسبب التباس دلالته عند الدارسين واستخدامه‬
  ‫استعماله‪ ،‬وكل مستعمل يتصور أو يتوهم أن هذا‬
   ‫الاستعمال أو ذاك لا يضر في شيء إمكانية الفهم‬                                    ‫للدلالة على عدة أشياء‪.‬‬
                                                              ‫فقد عرف «بالشعر الخالي من الوزن والقافية‬
     ‫والتواصل(‪ ،)36‬وأول ما يجب التفطن له‪ ،‬هو أن‬            ‫والمحافظة على نسق البيت»‪ ،‬وهو»نمط من الشعر‬
   ‫المصطلحات القصصية لم تحدد مفاهيمها تحدي ًدا‬              ‫خرج عن النظام التقليدي للقصيدة العربية التي‬
   ‫نظر َّيا في معاجم يمكن الرجوع إليها عند الحاجة‪،‬‬
   ‫بل أصبح تعريفها واستخدامها أم ًرا ذاتيًّا يعالجه‬
   16   17   18   19   20   21   22   23   24   25   26