Page 18 - merit 53
P. 18
العـدد 53 16
مايو ٢٠٢3
يعرفون الظروف التي نشأ فيها المصطلح والأسباب الترجمة ،حيث تولى ترجمة كتب (أرسطوطاليس)
التي دفعت إلى وضعه ،فأغلبهم تنقصه خبرة خاصة ،وترجم (حنين بن إسحاق) كتب (بقراط)
وغيرهم كثير ..كما كان المأمون يشاركهم ويناقشهم
الاطلاع على الآداب الأجنبية ،الشيء الذي يحول
دون فهمهم للمصطلح فه ًما دقي ًقا ،حيث يكتفون في مختلف المواضيع العلمية والأدبية( .)12وهذا
ما جعل الثقافة العربية وعلومها تقارع نظيرتها
بما يكتب عنه في المقالات والمجلات مترجمة أو
منقولة إلى العربية( ،)14فيما ينزع بعضهم إلى اليونانية والفارسية ،وذلك بفضل الظروف
الاجتماعية والسياسية التي ساهمت في تسهيل
المصطلح الأجنبي المألوف لديهم بحكم تعليمهم عملية الترجمة عكس ما يحدث اليوم ،إذ تعرف
وثقافتهم الأجنبية ،أكثر من ألفتهم بالمصطلح العربي الترجمة نو ًعا من الفوضى انعكست بشكل واضح
على الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة ،نتيجة
واهتمامهم بالثقافة العربية ،مما أوجد إشكا ًل تمثل ما يعرفه المصطلح النقدي الأدبي من اضطراب
في شيوع مصطلح غربي يشوبه الغموض منتش ًرا
وغموض(.)13
في ثقافتنا العربية المعاصرة(.)15 تطمح الترجمة في جوهرها إلى الخروج من العفوية
فرغم الجهد المتواصل لحل هذه المعضلة والأصوات
التي تتعالى وتنذر بإشكالية المصطلح؛ لا تزال الكثير والانطباعية لتصبح هد ًفا لنظام علمي إجرائي
يخضع لضوابط تحكمه ،بعي ًدا عن العشوائية ،حيث
من المصطلحات الأدبية والنقدية تتكاثر وتتعدد تحاول إدخال مختلف الدراسات والعلوم في سياق
في غياب معجم نقدي حديث تسهم فيه المجاميع
اللغوية والمؤلفون والأدباء والنقاد ،وإذا لم يتحقق لغوي صارم يتكيف مع تطور الترجمة باعتبارها
ذلك على أرض الواقع فستبقى إشكالية المصطلح حق ًل للأنشطة المهنية والمؤسسية المتزايدة ،التي
قائمة( )16إلى أجل مسمى ،وستزداد وضعيته تعقي ًدا، تهدف إلى تكثيف العلاقات الدولية ،لهذا ظهرت
لكن الحقيقة التي يتناساها البعض هي أن فوضى نظريات الترجمة ،تشدد على أهمية التكافؤ الوظيفي
الدلالة ليست أم ًرا خا ًّصا بالعربية أو مقصو ًرا بين اللغة المصدر واللغة الهدف ،اللذين يجمعهما
عليها ،بل يعاني منها الفكر الغربي نفسه ،إذ تتجلى نفس الوضعية ونفس السياق ،مع تحليل سيرورة
التواصل التي تقترح أنما ًطا للترجمة تتناسب مع
هذه المعاناة في نسبية الدلالة وكثرة الاختلاف
بين المدارس الغربية ،فظهرت حداثات متعددة ،أي نوعية النصوص ،وهذه الدينامية التي تعرفها
أننا أصبحنا لا نتعامل مع حداثة أو ما بعد حداثة الترجمة والنشاط الذي تتمتع به وما يصدر عنها،
واحدة ،وإنما مع حداثات وما بعد حداثات مختلفة،
و ُيتوقع منا داخل الثقافة العربية أن نقبل كل هذه جعلها ترتبط أكثر بالنصوص المكتوبة في مقابل
الحداثات بجميع تناقضاتها( ،)17الشيء الذي ولَّد النصوص الشفهية ،لأن ترجمة هذه الأخيرة في
أزمة في تلقي المصطلح الأجنبي لدى القارئ العربي، الغالب تكون تفسي ًرا لها وتقريب المعنى للمتلقي،
بداية من الإطار الثقافي الذي أفرز هذا الفكر وتلك و ُتن َجز تلقائي ًة بعيدة عن أي معاير علمية تتحكم
المذاهب النقدية ،فالمصطلح الذي لا يشير إلى دلالات
فيها.
معرفية محددة ،ويحدث إربا ًكا داخل الواقعين إذا كانت بعض العلوم المادية قد تجاوزت مشكل
الحضاري والثقافي اللذين ارتبط بهما ،حر ٌّي بأن الترجمة فإن مجموعة من العلوم -ومن بينها العلوم
يحدث فوضى في الدلالات المعرفية والثقافية والقيم الإنسانية -ما زالت تتخبط في فوضى المصطلح
نتيجة تعدد ترجمات تنشد وحدة اصطلاحية قد
المعرفية المغايرة له( )18عندما ينتقل بكل عوالقه تأتي وقد لا تأتي ،إذ صارت مشكلة المصطلح من
المبهمة إلى البيئة العربية ،وهذا الأمر يظهر جليًّا عند المشكلات المقلقة التي تثار بين الفينة والأخرى،
المتتبع للحركة النقدية العربية المعاصرة الذي أصبح
يرى فوضى عارمة فيما يخص العملية الاصطلاحية نتيجة الغموض الذي يسود أغلب المصطلحات
الوافدة من خارج البيئة العربية ،فالعديد من
برمتها ،والمصطلح النقدي على وجه الخصوص، الدارسين يستخدمون مصطلحات أجنبية ولا
حيث يغرف المشرقي من الثقافة الإنجليزية بينما