Page 203 - merit 53
P. 203

‫‪201‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

    ‫تحمل اسمك عن شفاهنا‬         ‫العالمي‪ ،‬ليدلل على صدق‬       ‫والقادر على التعبير عن‬
       ‫لنعود إلى قراءة هيغل‬
                                ‫دعواه‪ ،‬وهذا نابع من شعوره‬    ‫أعمق ما تشعر به النفس‬
‫ونيتشه؟»‪ ،‬تبدأ الجملة بتبئير‬
 ‫اسم البطل «مارادونا» الذي‬      ‫بالأثر الذي يحدثه سحر كرة‬    ‫الإنسانية‪ .‬يتساءل محمود‬
 ‫يستحق الصدارة في الجملة‪،‬‬
                                ‫القدم في النفس الإنسانية‪.‬‬    ‫درويش في المقال كله عن‬
    ‫وبتأخير اسم علمين من‬
 ‫أعلام الفكر الإنساني «هيغل‬     ‫إن حماس الشاعر لكرة‬          ‫الأحاسيس التي يخلقها‬
  ‫ونيتشه»‪ ،‬وينسجم أسلوب‬
  ‫التقديم والتأخير مع سياق‬      ‫القدم جعله يغار من جمال‬      ‫شغف كرة القدم وعشقها‪،‬‬
‫الاحتفاء بالبطل الفرد‪ ،‬صانع‬
                                ‫اللحظة التي يصنعها لاعب‬      ‫فهذا «البارود العاطفي» يفوق‬
    ‫التاريخ‪ ،‬البطل المفقود في‬
   ‫عصرنا‪ ،‬يتوجه الشاعر في‬       ‫من طراز مارادونا؛ بل إ َّنه‬  ‫عوالم التوتر التي يصنعها‬
  ‫التفات بديع إلى البطل‪ ،‬لكي‬
   ‫يطلب منه أن ينقذ عصره‪،‬‬       ‫يصف لغة المعلقين والخبراء‬    ‫روائي بارع‪ ،‬وإن كان من‬
   ‫يقول‪« :‬مارادونا‪ ..‬ساعدنا‬
                                ‫الرياضيين باللغة الشعرية؛‬    ‫طينة «دوستوفسكي»‪،‬‬
      ‫على تحمل هذه الحياة‪،‬‬
     ‫وساعد هذا العصر على‬        ‫لأ َّن هذه اللغة الإيحائية‬   ‫يقول درويش‪« :‬أليست هذه‬
 ‫الخروج من السأم والدخول‬        ‫وحدها تستطيع أن تقتنص‬
       ‫في الحنين إلى البطولة‬                                 ‫اللحظات أشد قسوة ورهافة‬
                                ‫هذا اللحظات الفريدة‪ ،‬وتعبر‬
                  ‫الفردية»‪.‬‬        ‫عنها‪ ،‬يقول درويش‪« :‬لا‬     ‫وتفجي ًرا للعاطفة الفردية‬
  ‫يج ِّرب محمود درويش‪ ،‬في‬                                    ‫والجماعية من اللحظات‪،‬‬
‫مقالته الشعرية عن مارادونا‪،‬‬     ‫يمكن إيقافه‪ ،‬كما لا يمكن‬
‫أن يصف ما لا ُيمك ُن وصفه‪،‬‬                                   ‫التي يواجهها «مقامر»‬
‫أن يغزل لحظات المتعة‪ ،‬بجمل‬      ‫للملك الأحمق أن يوقف موج‬     ‫دستوفسكي» مث ًل؟»‪ .‬وظف‬
‫قصيرة جذابة ومؤثرة‪ ،‬ومن‬           ‫البحر‪ .‬هكذا يقول الخبراء‬      ‫الشاعر أسلوب التفضيل‬

     ‫مقاطع الوصف الجميلة‬         ‫الرياضيون الذين وجدوا‬       ‫للمقارنة بين عوالم كرة القدم‬
    ‫في المقال‪ ،‬نقرأ‪« :‬مارادونا‬  ‫في المرجعية الشعرية اللغة‬    ‫وعوالم الرواية‪ ،‬واختار مثا ًل‬
‫يرسم علامة الصليب‪ ،‬يبوس‬
‫الأرض‪ .‬يقف‪ .‬يحاص ْر‪ .‬يفلت‬       ‫الوحيدة القادرة على وصف‬      ‫من أجمل ما أنتجه الأدب‬
     ‫كالصوت‪ .‬يقطف الكرة‪.‬‬
    ‫يحاص ْر‪ .‬يمرر الكرة على‬     ‫هذا الشيطان‬  ‫ـــلات في كرة القدم‬
    ‫شكل هدية إلى قدم زميل‬
 ‫ساعده في فتح قلعة الدفاع‪،‬‬      ‫الملائكي‪،‬‬
    ‫فيصوب الزميل الماهر في‬        ‫صانع‬

      ‫اتجاه المدى والجمهور‪.‬‬     ‫الفرص‪،‬‬
‫مارادونا يصفق من الوجع»‪.‬‬
                                ‫نشال‬
       ‫يؤدي الوصف وظيفة‬
    ‫الحضور‪ ،‬ويعزز صورة‬          ‫ماهر‪ ،‬موجود في كل مكان‪..‬‬
     ‫الموصوف لدى القارئ‪،‬‬
                                ‫المونديال هو مارادونا‪ .‬قوي‬

                                ‫كالثور‪ .‬سريع كالقذيفة»‪.‬‬

                                ‫إن اللغة العادية عاجزة‪ ،‬في‬

                                ‫نظر محمود درويش‪ ،‬عن‬

                                ‫وصف ما يخلقه لاعب‪ ،‬يكمل‬

                                ‫بكعبه كعب أخيل‪ ،‬ليصنع‬

                                             ‫الأسطورة‪.‬‬

                                ‫وهذا الحماس المجنون‪ ،‬لا‬

                                ‫يتوقف عند امتلاك المشاعر‬

                                ‫والأحاسيس؛ بل يتعداه إلى‬

                                ‫الفكر نفسه‪ ،‬يتساءل محمود‬

                                ‫درويش‪ ،‬في آخر مقالته‬

                                ‫الاحتفالية‪« :‬مارادونا‪ ،‬متى‬
   198   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208