Page 204 - merit 53
P. 204

‫العـدد ‪53‬‬                                         ‫‪202‬‬

                                 ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬                                       ‫لكن المقطع الشاعري في‬
                                                                               ‫وصف درويش لمارادونا‪،‬‬
 ‫وجمال الشعر في التصوير‪،‬‬           ‫مارادونا من وسط الملعب‪،‬‬
        ‫والاحتفاء‪ ،‬والتخليد‪.‬‬        ‫مراو ًغا كل اللاعبين الذين‬                   ‫ينزع نحو المرئي‪ ،‬حتَّى‬
                                   ‫اعترضوا طريقه‪ ،‬ومسج ًل‬                    ‫لكأننا نشاهد معل ًقا رياضيًّا‬
      ‫ينتقي محمود درويش‬
‫تشبيهاته في وصف مارادونا‬              ‫هد ًفا‪ ،‬سيظل في الذاكرة‬                    ‫ونسمعه‪ ،‬يرصد اللقطة‪،‬‬
                                                                             ‫ويتبعها‪ ،‬ويحولها إلى لوحة‪.‬‬
 ‫من عوالم الحيوان‪ ،‬ليصوغ‬            ‫الجمعية لمحبي كرة القدم‪،‬‬
      ‫الحكاية الجميلة للبطل‬          ‫هد ًفا أسطور ًّيا‪ ،‬ومرج ًعا‬                  ‫تساير الجمل القصيرة‬
                                                                            ‫الدقيقة حركة اللاعب «يقف‪.‬‬
   ‫الأسطوري‪ ،‬يقول‪« :‬يقتلع‬         ‫لروعة الإبداع في «المراوغة‪/‬‬
‫الكرة كالقطة البلدية الماهرة‪،‬‬                                                   ‫يحاصر»‪ ،‬ويجدد التكرار‬
                                 ‫الغربلة»‪ ،‬فإذا كان ما يمر من‬               ‫دماء الصورة‪ ،‬ويخلق إيقاعها‬
     ‫من أرجل البغل‪ .‬يراوغ‬        ‫الغربال دقي ًقا‪ ،‬يخترق عيونه‬
   ‫كالثعلب المز َّود بقوة ثور‪،‬‬                                                ‫الصوتي‪ ،‬وعمقها البصري‬
   ‫ويقفز كالفهد على حارس‬         ‫الصغيرة ج ًّدا‪ ،‬فإن مارادونا‪،‬‬                     ‫«يحاص ْر‪ ..‬يحاصر»‪،‬‬
  ‫المرمى الضخم المتحول إلى‬               ‫غربل الدفاع بقدميه‬
  ‫أرنب‪ :‬جووول!»‪ .‬ويخضع‬                                                         ‫وينسا ُب التشبيه انسياب‬
  ‫هذا الانتقاء المحكم لأسماء‬     ‫الأسطوريتين‪ ،‬وهذه الصورة‬                      ‫اللاعب «يفلت كالصوت»‪،‬‬
 ‫الحيوانات لمنطق الشاعر في‬
  ‫التح ُّبب والتق ُّرب والتعظيم‬         ‫تعكس جمال اللحظة‪،‬‬                        ‫ويقوي الانتقاء المعجمي‬
                                                                              ‫الاستعارة‪ ،‬ويمنحها إبدا ًعا‬
        ‫والتحقير‪ ..‬والصور‬                                         ‫دييجو‬       ‫في التصوير‪ ،‬وبراعة في ل ِّي‬
‫التشبيهية كلها تؤدي وظيفة‬                                         ‫مارادونا‬    ‫أعناق الكلم «يقطف الكرة»‪،‬‬
 ‫واحدة‪ ،‬الوصول إلى الهدف‬
‫الذي ُيساق في آخر الوصف‪،‬‬                                                         ‫أ َّما الإيجاز في التصوير‬
                                                                             ‫الاستعاري‪ ،‬فيجعل الوصف‬
  ‫بلغة المعلق الرياضي الذي‬
     ‫يم ُّد الصوت تعبي ًرا عن‬                                                    ‫يتدفق في التعليق تدف ًقا‪،‬‬
    ‫جمال الهدف المسجل‬                                                                ‫ينص ُّب على اللحظة‬
                                                                                      ‫السريعة والفارقة‪.‬‬
  ‫وروعته‪« ،‬جووول»‪،‬‬                                                                    ‫ولع َّل جمهور كرة‬
      ‫وكأن درويش‬                                                                     ‫القدم لن يجد أبرع‬
                                                                                            ‫من تصوير‬
  ‫يستبدل ما قاله‬                                                                                ‫محمود‬
   ‫المعلق‪ ،‬قبل أن‬                                                                              ‫درويش‬
‫يعلن عن الهدف‪،‬‬                                                                           ‫لطريقة مراوغة‬
    ‫فلغة الشاعر‬                                                                                ‫مارادونا‬
                                                                                         ‫للاعبي الفريق‬
      ‫أقوى‪ ،‬وهو‬                                                                       ‫الخصم‪ ،‬والتلاعب‬
‫وحده من يستطيع‬                                                                       ‫بهم‪« ،‬يغربل ال ِّدفاع‬
                                                                                        ‫ويه ِّدف»‪ ،‬هاتان‬
   ‫تصوير مارادونا‪.‬‬
   ‫ُيعيد محمود درويش‬                                                                ‫الجملتان القصيرتان‬
‫تعري َف اللعبة‪ ،‬انطلا ًقا من‬                                                  ‫المتضامتان‪ ،‬سترسلان إلى‬
‫تجربته الخاصة‪ ،‬ولأنه يعي‬                                                      ‫مخيلة أي مشاهد‪ ،‬ما فعله‬
 ‫سياقات الموقف «النخبوي»‬
 ‫منها‪ ،‬لا سيما المواقف الذي‬                                                      ‫مارادونا بدفاع المنتخب‬
    ‫يع ُّدها وسيلة من وسائل‬                                                        ‫البلجيكي‪ ،‬حين انطلق‬
‫الإلهاء عن القضايا المصيرية‪،‬‬
   199   200   201   202   203   204   205   206   207   208   209