Page 208 - merit 53
P. 208

‫العـدد ‪53‬‬                             ‫‪206‬‬

                                ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬                           ‫تبدأ مقابلات كرة القدم‬
                                                                 ‫عند الجمهور‪ ،‬في الصحافة‬
   ‫وسائل الإعلام في تحويل‬         ‫الألوان والأصوات‪ ..‬لنطلق‬
       ‫الجماهير إلى حشود‪،‬‬             ‫آهاتنا لفرصة ضائعة‪،‬‬           ‫والحوارات والتحليلات‬
                                                                      ‫والمواقع الافتراضية‪،‬‬
    ‫فسلطتها قوية في التأثير‬      ‫ونشوتنا بنصر غير منتظر‪،‬‬
  ‫والتوجيه‪ ،‬ولكن الاستجابة‬            ‫ونطهر نفوسنا بدموع‬           ‫ويجسد خطاب الجمهور‬
‫البليغة‪ ،‬ضرورة حتمية لبعث‬                                       ‫تمثي ًل حيًّا‪ ،‬لشحنة عاطفية‪،‬‬
                                  ‫الخسارة‪ ،‬ونفرح بهدف في‬
     ‫القيم الإنسانية الكونية‪،‬‬    ‫اللحظات الأخيرة‪ ،‬ونغضب‬             ‫عجنتها وسائل الإعلام‪،‬‬
   ‫التي تظل السبيل الوحيد‪،‬‬                                         ‫والنخب «المؤثرة»‪ ..‬ولكن‬
  ‫لإعادة بناء خطاب‪ ،‬يرفض‬           ‫من شطط َحكم تغافل عن‬             ‫جمال اللعبة‪ ،‬وروعة ما‬
    ‫مظاهر التمييز والإقصاء‬           ‫ضربة جزاء‪ ،‬كان يمكن‬
‫والعنصرية‪ ،‬ويؤسس لحوار‬               ‫أن تغير موازين القوى‪،‬‬           ‫يختزنه الإنسان‪ ،‬يدفع‬
  ‫الثقافات في صور مشتركة‬            ‫وسننخرط في احتمالات‬           ‫الجمهور إلى التصفيق على‬

      ‫بين العائلات‪ ،‬وفي أيا ٍد‬   ‫بروح راجفة‪ ،‬تفوق لحظات‬             ‫خصم أبدع وأمتع‪ ،‬وإلى‬
‫متشابكة بين جماهير الفرق‪،‬‬       ‫ترقب «مقامر» دوستفسكي‪..‬‬             ‫الصفير والاحتجاج على‬
                                                                  ‫سلوك عنصري‪ ،‬وإن بدر‬
     ‫وفي لحظة فارقة يعانق‬              ‫وإذا كانت كرة القدم‬        ‫من الفريق الذي يناصره‪،‬‬
   ‫فيها المنافس خصمه عناق‬            ‫حرب تأويلات‪ ،‬على حد‬           ‫وقطع آلاف الكيلومترات‬
   ‫الأصدقاء الأنداد‪ .‬وعندما‬          ‫تعبير محمود درويش‪،‬‬          ‫لتشجيعه‪ .‬يستطيع جمهور‬
 ‫تتقابل جماهير «الأصدقاء‪/‬‬          ‫فإن جمهورها وحده‪ ،‬من‬          ‫كرة القدم العالمي أن يحول‬
    ‫الأنداد»‪ ،‬يمكن أن تتحول‬       ‫يستطيع أن يعيد إلى الكون‬       ‫المدرجات إلى لوحة‪ ،‬تعكس‬
                                ‫موازينه المختلة؛ فكأس العالم‬      ‫تنوع الألوان‪ ،‬والأصوات‪،‬‬
         ‫الأهواء والانفعالات‬      ‫في كرة القدم‪ ،‬اللعبة الأكثر‬    ‫والأغاني‪ ،‬والرقصات‪ ..‬ألم‬
    ‫والرغبات إلى قيم‪ ،‬تنسج‬        ‫شعبية في عصرنا أصبحت‬           ‫تخطف تيفوهات الجماهير‬
                                   ‫ذاكرة جمعية لها مواضع‬
      ‫من فرحة اللقاء بدائل‪،‬‬        ‫تتوارثها الأجيال‪ ،‬وتنقلها‬          ‫الأنظار من اللاعبين‪،‬‬
     ‫تتصدى لاستراتيجيات‬           ‫إلى الأطفال الذين يعيشون‬       ‫وتصبح مجا ًل للمنافسة في‬
‫الاستقطاب والعنف‪ ،‬وتنتصر‬           ‫العرس بشحنات عاطفية‪،‬‬          ‫التعبير عن الحب والشغف‬
   ‫للجمال‪ .‬هذا الجمال الذي‬           ‫تفوق سنهم‪ ،‬وطاقتهم‪.‬‬
 ‫جعل محمود درويش يكمل‬                ‫أليس فرح الأطفال أعز‬          ‫والسخرية والنقد؟ يملك‬
  ‫أسطورة كعب أخيل بكعب‬             ‫ما يطلب الإنسان؟ أليست‬           ‫جمهور كرة القدم أقوى‬
   ‫مارادونا‪ ،‬ويعبر عن سمو‬       ‫دموع الأطفال أقسى ما يهز‬          ‫الصناعات الثقيلة‪ ،‬صناعة‬
      ‫الجمهور عندما يسمو‬          ‫أحاسيسنا؟ أي تأويل لهذا‬
                                   ‫«الجنون الجميل» غير أن‬            ‫الحوار الإنساني الذي‬
                   ‫الجمال‪.‬‬      ‫نعيد إنتاج ثقافة «الأصدقاء‪/‬‬    ‫أساسه الإنسان‪ ،‬حوا ٌر يخرج‬
  ‫لقد يسر الإعلام‪ ،‬كما يرى‬       ‫الأنداد»‪ ،‬ونزرعها في أعماق‬
  ‫الدكتور مصطفى حجازي‪،‬‬           ‫هذه الناشئة‪ ،‬لتجرب حظها‬         ‫من القاعات المكيفة‪ ،‬وينزع‬
                                   ‫في صناعة الأمل‪ ،‬من أجل‬           ‫عن النخبة مكرفوناتها‪،‬‬
      ‫«سبل المتعة والمشاركة‬     ‫بناء عالم جديد‪ ،‬يحول قسوة‬
‫الرياضية لمليارات المشاهدين‬     ‫العالم إلى لوحة جميلة للحب‬        ‫ويمزج العاطفة الإنسانية‪،‬‬
                                                                      ‫ليخرج أجمل ما فيها‪،‬‬
   ‫على سطح الكوكب‪ ،‬وخلق‬                         ‫والتسامح؟‬                 ‫الصداقة والندية‪.‬‬
 ‫فر ًصا غير مسبوقة للتفاعل‬             ‫لا يمكن أن ننكر دور‬
                                 ‫الشركات واللوبيات وبعض‬         ‫ستتغير عاداتنا ومواعيدنا‪..‬‬
   ‫الإنساني الملتقي على أكثر‬                                        ‫وسنكف عن التفكير في‬
 ‫الأنشطة نب ًل وارتقا ًء؛ وهي‬
  ‫الأنشطة الرياضية بالطبع‪.‬‬                                        ‫الحروب الأهلية‪ ،‬وتغيرات‬
 ‫الرياضة بما هي أسمى قيم‬                                          ‫المناخ‪ ،‬وسننسى للحظات‬
   203   204   205   206   207   208   209   210   211   212   213