Page 206 - merit 53
P. 206

‫جماهير المنتخبات المتنافسة‬        ‫ينتقي محمود درويش تشبيهاته في‬
 ‫عن مشاعر مختلفة‪ ،‬تتراوح‬        ‫وصف مارادونا من عوالم الحيوان‪ ،‬ليصوغ‬
 ‫بين الفرح والحزن‪ ،‬الغضب‬
 ‫والارتياح‪ ،‬الخوف والترقب‪،‬‬            ‫الحكاية الجميلة للبطل الأسطوري‪،‬‬
                                     ‫يقول‪" :‬يقتلع الكرة كالقطة البلدية‬
     ‫هذه المشاعر تتجسد في‬       ‫الماهرة‪ ،‬من أرجل البغل‪ .‬يراوغ كالثعلب‬
  ‫خطابات مختلفة‪ ،‬وتمتد‪ ،‬في‬           ‫المز َّود بقوة ثور‪ ،‬ويقفز كالفهد على‬
‫القرن الواحد والعشرين‪ ،‬من‬       ‫حارس المرمى الضخم المتحول إلى أرنب‪:‬‬
 ‫الملاعب إلى وسائل التواصل‬        ‫جووول!"‪ .‬ويخضع هذا الانتقاء المحكم‬
 ‫الاجتماعي‪ ،‬ومن مجموعات‬              ‫لأسماء الحيوانات لمنطق الشاعر في‬
‫ومساحات العالم الافتراضي‬            ‫التحُّبب والتقُّرب والتعظيم والتحقير‪..‬‬

    ‫إلى التجمعات الواقعية في‬      ‫الأفئدة‪ ،‬مهما كانت بلدانها‪،‬‬               ‫الملاك‪ ،‬فيقول‪:‬‬
           ‫المنازل والمقاهي‪..‬‬   ‫وأن يتجاوز التصنيفات‪ ،‬وأن‬           ‫«لم يح ِّرك فينا العاطفة‬
                                                                ‫القومية‪ ،‬فهو ليس منَّا‪ .‬ولم‬
   ‫تدفعنا كرة القدم‪ ،‬بما هي‬        ‫يصنع «الجمال»‪ .‬والجمال‬        ‫يحرك فينا وحدة التضامن‬
‫«البارود العاطفي» و»الجنون‬      ‫هو كل ما نحتاجه في مواجهة‬         ‫مع العالم الثالث ممث ًل في‬
 ‫الجميل»‪ ،‬في وصف محمود‬                                          ‫الأرجنتين‪ ،‬التي لا تريد هذا‬
                                        ‫قبح العالم وبشاعته‪.‬‬     ‫الانتماء‪ ،‬وتستمرئ تبعيتها‬
      ‫درويش‪ ،‬إلى البحث في‬                                        ‫المثقلة بالديون والعنصرية‬
     ‫أعماق الرغبة والشغف‪،‬‬         ‫منافسة «الأصدقاء‬               ‫الرسمية‪ ،‬ولكنه ح َّرك فينا‬
 ‫وإلى السؤال‪ :‬كيف يمكن أن‬         ‫الأنداد» في خطاب‬             ‫حاسة الدفاع عن النفس أمام‬
    ‫يتحول خطاب الجماهير‪،‬‬        ‫الجمهور العالمي لكرة‬            ‫هجوم الإشارات العنصرية‬
  ‫في المدرجات وخارجها‪ ،‬إلى‬                                       ‫الغربية‪ ..‬وح َّول كرة القدم‬
  ‫تعبير عما يختزنه الإنسان‬              ‫القدم‬
 ‫من قيم‪ ،‬تتوتر بين الصداقة‬                                              ‫إلى أغنية راقصة»‪.‬‬
                                      ‫َتحبس منافسات كأس‬         ‫يعيد محمود درويش رسم‬
       ‫والندية؟ هل تستطيع‬        ‫العالم في قطر ‪ 2022‬أنفاس‬
‫جماهير كرة القدم أن تجسد‬         ‫العالم‪ ،‬وتشد اهتمام الملايين‬        ‫صورة مارادونا الرمز‬
  ‫أهواءها وانفعالاتها في قيم‪،‬‬                                     ‫والأسطورة‪ ،‬اللاعب الذي‬
 ‫تجمع بين الصداقة والندية؟‬           ‫من الجماهير التي تغير‬     ‫استطاع إبدا ُعه في الملاعب أن‬
                                 ‫مواعيدها‪ ،‬وتوقيتها الزمني‪،‬‬      ‫ينتزع الحب من الجماهير‪،‬‬
  ‫وهل تستطيع الجماهير أن‬                                           ‫مهما كانت قوميتها‪ ،‬وأن‬
   ‫تنتج «الآغون» (‪)L’agôn‬‬             ‫لتضبطها على إيقاعات‬         ‫يسقط «جواز السفر» إلى‬
                                  ‫الدوحة‪ ،‬بيت هذه التظاهرة‬
      ‫الذي يعبر عن الصراع‬       ‫الكونية‪ .‬سيحض ُر الكثير من‬
‫والمنافسة والرغبة‪ ،‬ويتأسس‬
‫على قاعدة مجتمع «الأصدقاء‬           ‫الشغف والمتعة‪ ،‬وستعبر‬

    ‫الأنداد»‪ ،‬ومجتمع البشر‬
 ‫الأحرار المتنافسين‪ ،‬على حد‬

     ‫تعبير دولوز وغوتاري؟‬
 ‫إن خطاب جمهور كرة القدم‬
‫ليس خطا ًبا مستق ًّل بذاته‪ ،‬بل‬
 ‫هو تفاعل موقفي وممارسة‬

   ‫تندرج ضمن سياق ثقافي‬
    ‫وتاريخي وسياسي‪ ،‬وما‬
   201   202   203   204   205   206   207   208   209   210   211