Page 294 - merit 53
P. 294

‫العـدد ‪53‬‬                           ‫‪292‬‬

                                    ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

  ‫التعذيب الموروثة عن الاستعمار‬        ‫وأطفال القرية يكرهون الختَّان‬        ‫المعارضة ظل مطار ًدا من قبل‬
        ‫الفرنسي بسبب عفويتهم‬          ‫لأنه يعيش في جو عابق بالدماء‪،‬‬        ‫السلطات الأمنية‪ ،‬فكانت نهايته‬
       ‫وأفكارهم التلقائية الناقدة‪.‬‬   ‫الأمر الذي يزرع الخوف والفزع‬
                                                                                  ‫الإقامة خلف القضبان‪.‬‬
   ‫الأعضاء السريين كانوا موالين‬                         ‫في نفوسهم‪.‬‬      ‫مهدي ُنسب كابن لسليمان الحيلة‪،‬‬
  ‫للسياسة الحاكمة‪ ،‬يمثلون طبقة‬             ‫يتهم بطل الرواية بالجنون‬
   ‫الإقطاع‪ ،‬يعملون على استغلال‬       ‫بسبب أفكاره‪ ،‬وكتاباته المناهضة‬       ‫وظل يحبه ويجله كثي ًرا رغم أنه‬
                                    ‫للإقطاع‪ ،‬والإقطاعيين الذين كانوا‬     ‫كان عربي ًدا انتهاز ًّيا‪ ،‬لأنه لم يكن‬
        ‫الشعب وسذاجته وجهله‪،‬‬         ‫سببًا في بؤس الفلاحين والفئات‬
  ‫يستعطفون الشعب باسم الدين‪،‬‬                                               ‫يعلم بأنه ليس والده الحقيقي‪،‬‬
 ‫يق ِّدمون الرشاوى للأئمة ورجال‬                           ‫الضعيفة‪.‬‬      ‫وبعد اكتشافه الحقيقة كرهه كر ًها‬
‫الدين لصرف الناس عن السياسة‪.‬‬              ‫«نادية» ممرضة بمستشفى‬
                                     ‫الأمراض العقلية‪ ،‬الذي أدخل إليه‬        ‫لا مثيل له‪ .‬سي عمر هو الأب‬
    ‫ظهر مشروع الثورة الزراعية‬       ‫مهدي لمعالجته من نوبات الجنون‬        ‫الحقيقي لمهدي‪ ،‬الإقطاعي المستبد‬
   ‫الذي بادر إليه الرئيس بومدين‬      ‫التي كان يدعي بعض الإقطاعيين‬
 ‫لإخراج الريف والطبقات الكادحة‬          ‫بأنها تجتاحه من حين لآخر‪.‬‬            ‫الذي اغتصب «سالمة» غد ًرا‪،‬‬
  ‫في المناطق النائية من الهامشية‪،‬‬    ‫نادية العجوز المومس التي كانت‬          ‫شقيقة زوجته مليكة‪ ،‬فتشكل‬
  ‫التي فرضها عليهم الانتهازيون‬          ‫تقدم لمهدي مختلف الإغراءات‬         ‫مهدي في رحم سالمة نطفة غير‬
    ‫الذين سعوا لتعميق الهوة بين‬                                           ‫شرعية‪ .‬وأقسمت أم مهدي بأن‬
  ‫فئات المجتمع الجزائري‪ .‬ظهرت‬              ‫لمضاجعتها‪ ،‬لكنها سرعان‬           ‫تنتقم لشرفها بقتل سي عمر‪،‬‬
    ‫طبقتان اجتماعيتان متفاوتتان‬          ‫ما تك ِّشر عن أنيابها لممارسة‬      ‫فظل متنق ًل من مكان لآخر لا‬
  ‫في المستوى المادي‪ ،‬وهما الطبقة‬        ‫سلطتها وجبروتها عليه وعلى‬         ‫يغمض له جفن خو ًفا من انتقام‬
‫الإقطاعية المسيطرة‪ ،‬وطبقة كادحة‬       ‫رفقائه من المرضى‪ ،‬وإخضاعهم‬
   ‫يمثلها الفلاحون‪ ،‬وهي مهمشة‬            ‫لأوامرها التي تصدرها كلما‬                       ‫سالمة المغدورة‪.‬‬
                                      ‫حاولوا ازعاجها‪ .‬وكان الأعضاء‬          ‫أحب مهدي سامية‪ ،‬وهي فتاة‬
       ‫لا حول لها ولا قوة‪ ،‬وكان‬      ‫السريين الذين رمز لهم الروائي‬         ‫جميلة تدرس بالثانوية‪ .‬أغواها‬
‫لأنصار الثورة الزراعية أصواتهم‬
 ‫المناهضة للإقطاع وعمالته «احنا‬            ‫بـ»أ‪.‬ع‪.‬س» لا يتوانون عن‬           ‫لترافقه إلى الشاطيء للتنزه‪،‬‬
  ‫جينا نطهروا لبلاد من المركانتية‬       ‫زيارة مهدي ورفقائه المجانين‬       ‫لكن هناك يتحول إلى شيطان في‬
 ‫أمثال سي عمر» الرواية ص‪.160‬‬        ‫بالمستشفى‪ ،‬ثم يحولونهم إلى دور‬        ‫جسد ملائكي‪ ،‬فيغتصبها‪ .‬تبتعد‬
                                                                          ‫سامية حيث ترحل إلى قسنطينة‬
      ‫إن الرموز تشكل شبكة من‬                                              ‫عند عمها‪ ،‬وتختفي عن الأنظار‪.‬‬
     ‫المعاني‪ ،‬وبوجدرة أراد لنصه‬                                          ‫ويبدأ مهدي في رحلة البحث عنها‬
    ‫الروائي الإقامة خلف المضمر‪،‬‬
                                                                            ‫في شوارع قسنطينة‪ .‬تعود به‬
      ‫فجاء النص مغر ًقا بالرموز‬                                            ‫الذاكرة لأيام الطفولة والشباب‬
         ‫والدلالات التي تعبر عن‬                                         ‫التي عاشها في تلك المدينة في زمن‬
                                                                          ‫الاستعمار‪ ،‬تتراءى أمامه بشاعة‬
‫إيديولوجيا جسدت أفكار الروائي‪،‬‬                                             ‫العدو والمتآمرين معه من أبناء‬
     ‫وما كان نزوعه إلى الغموض‬
                                                                             ‫الوطن‪ ،‬الذين استغلوا الثورة‬
   ‫إلا لتمرير رؤية نقدية شاء لها‬                                               ‫لتحقيق أغراضهم الدنيئة‪.‬‬
      ‫أن تكون بعيدة عن المباشرة‬
                     ‫والوضوح‪.‬‬                                                ‫أقيم لمهدي حفل اختتان وهو‬
                                                                           ‫صغير‪ ،‬حضره حشد كبير من‬
  ‫فالدم الذي يستحضره بوجدرة‬                                                ‫مختلف طبقات المجتمع‪ .‬فختَّنه‬
        ‫في «الرعن» جاء مشحو ًنا‬                                            ‫ختَّان القرية الذي كان بالنسبة‬
                                                                           ‫له سفا ًحا لأنه أهدر دمه غصبًا‬
 ‫بدلالات مختلفة‪ ،‬والدم في الثقافة‬                                         ‫ليزداد كرهه له‪ .‬فقد كان مهدي‬
   289   290   291   292   293   294   295   296