Page 289 - merit 53
P. 289

‫‪287‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تأبين‬

   ‫الشاعر‪ ،‬أن يتوغل في المجهول‪،‬‬               ‫يعرف مقدار حبها للبحر ليكتب‪:‬‬                ‫هنا أنه لا تأثير لأحد منهما على‬
    ‫ولقد أمسك يوسف خديم الله‬                   ‫«كان البح ُر مملك َتها‪ ،‬مذ ُولدت‪.‬‬            ‫الآخر‪ ،‬وكما لو أن الاثنين من‬
   ‫‪-‬بحكم حدسه الإبداعي‪ -‬بهذه‬                 ‫واليو َم تول ُد‪ ،‬وأمني ُتها ال ّصحرا ُء»‪.‬‬                  ‫زمنين مختلفين‪.‬‬
    ‫الروح المتوهجة وظل وفيًّا لها‬            ‫علاقة يوسف خديم االله بزوجته‬                   ‫بل إن يوسف خديم الله ‪-‬وهو‬
 ‫وفاؤه للإبداع وللكتابة الحقيقية‪.‬‬               ‫الفقيدة سامية ساسي لم تكن‬
  ‫يكفي أن نختم مقالتنا هذه بهذه‬                ‫مجرد مؤسسة اجتماعية‪ ،‬بقدر‬                ‫المعروف في الوسط الأدبي بصرامة‬
  ‫القصيدة بعنوان «لبن عصفور»‬                 ‫ما هي ‪-‬وستظل‪ -‬ظاهرة إبداعية‬                       ‫ذائقته الفنية‪ -‬لا يتأخر عن‬
  ‫من مجموعتها «لا تلتفت لنراها»‬                 ‫من الصعب تكرارها؛ فقصيدة‬
                                                                                          ‫الإشارة لكتابات زوجته الراحلة‪،‬‬
                      ‫(ص‪:)58‬‬                      ‫سامية كانت على درجة من‬                  ‫يثمنها بالكثير من الحرص‪ ،‬وهو‬
               ‫«في أشه ِر الو َح ِم‪،‬‬          ‫التجاوز والتسامي في ما تطرقه‬               ‫سلوك ندر أن يعتمده شاعر زوج‬
            ‫أحبب ُت «بول ايلوار»‪.‬‬                                                       ‫شاعرة‪ ،‬وهو وإذ يشير لذلك فإنما‬
               ‫في اللَّيالي ال َّطويلة‪،‬‬         ‫من مواضيع‪ ،‬وأسلوب طرقها‬
    ‫أكت ُب سب َع قصائ ِد ح ٍّب كاملة‪.‬‬          ‫من خلال ما تتخيره من معجم‬                     ‫من باب ترسيخ رؤية إبداعية‬
                                             ‫لغوي وتراكيب تقوم أسا ًسا على‬                ‫فالتة‪ ،‬كما لو أنه يتعامل مع نص‬
                       ‫صبا ًحا‪،‬‬              ‫البتر والحذف‪ ،‬بما يخلق المباغتة‪،‬‬           ‫سامية ساسي بحياد عاطفي‪ .‬ذات‬
                   ‫ب ْطني أمامي‪،‬‬              ‫وهو ما جعلها تنأي عن الغنائية‬              ‫مرة نشر لها يوسف ن ًّصا واص ًفا‬
      ‫أُلقي ما كتب ُت إلى الشوار ِع‪،‬‬          ‫المألوفة وتتوغل بعي ًدا في البحث‬           ‫إياه‪« :‬من نصوص سامية ساسي‬
                                            ‫عن إيقاعات متجددة؛ ذلك هو مجد‬
                       ‫كالجرا ِد‪.‬‬                                                            ‫التي َتتعتَّق ولا ت ْعت ُق‪ .‬قصيدة‬
‫سيقو ُل أطفا ُل المدار ِس‪ :‬هذه حقو ٌل‬                                                     ‫«شاحنة البيرة»‪ ،‬وهو الذي كان‬

               ‫وح ْلوى ولا شي َء‬
             ‫في الكت ِب بع َد اليوم‪.‬‬
 ‫ستقو ُل الجميلا ُت‪ :‬هذا الح ُّب‪ ،‬ل َب ُن‬

                      ‫عصافير‪.‬‬

         ‫النّم ُش الذي على ج ْلدي‪،‬‬
       ‫كتا ٌب من الكت ِب ال َّصفراء‪،‬‬

         ‫تو َّح َم ْت ُه أ ِّمي ولم تقرأه‪.‬‬
      ‫لم يك ْن عليها كش ُف س ّرها‪،‬‬

                 ‫ل ْولا أ َّن حبيبي‪،‬‬
       ‫كلَّما رأى حق ًل طاف ًحا على‬

                       ‫جسدي‪،‬‬
  ‫صا َح‪ :‬هذا الح ُّب عبَّاد شم ٍس يا‬

                        ‫«غالا»‪.‬‬
                   ‫عبَّا ُد شم ٍس‪،‬‬
  ‫ولا شي َء في الك ُتب بع َد اليوم»‪.‬‬
‫ويبقى الشعر؛ لكن ليس أي شعر‪،‬‬
  ‫يبقى الشعر الذي هو عقد حياة‬
   ‫وبرنامج وجود لتجاوز نكبات‬
     ‫العيش اليومي‪ .‬المجد للكتابة‬
              ‫الحقيقية وإن قلت‬
   284   285   286   287   288   289   290   291   292   293   294