Page 286 - merit 53
P. 286

‫***‬                                                   ‫العـدد ‪53‬‬                            ‫‪284‬‬

                        ‫أخي ًرا‪..‬‬                                               ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬    ‫كالإمضاء على الصفحة الأخيرة‬
     ‫لا تحولوا حائطها إلى مبكى‪:‬‬                                                              ‫من الديوان‪ ،‬كأ َّن الاسم الموجود‬
  ‫هكذا كانت رسالة السامية‪ ،‬وما‬               ‫ح َّدثتني عن بكاء أطفال في‬                       ‫على غلاف الديوان لا يكفي‪ ،‬أو‬
    ‫أرادته دائ ًما أن نقرأها بلسان‬                           ‫راحتيها‪.‬‬                      ‫أ َّنها أرادت أن نقول لها إن اسمها‬
      ‫الشعر ونراها بعينيه‪ ،‬وهذا‬
    ‫نص رسالتها التي نقل ُتها من‬          ‫عن مضاجع ِة الأموات‪ ،‬التي لا‬                         ‫جمي ٌل ونحب ُه لتطرد هواجسها‬
 ‫صفحة الشاعرة التونسيَّة سماح‬                          ‫تؤذي الأموات‪.‬‬                             ‫بشأنه وعدم استلطافها له‪:‬‬
                                                                                                                  ‫«سامية»‬
                     ‫البوسيفي‪:‬‬          ‫عن الركض حافية بين المشرحة‬
     ‫«سأظل أعود بلسان الشعر‪.‬‬                         ‫وغرف ِة العمليَّات‪.‬‬                     ‫اسم عمود ٌّي ج ًّدا لم أُحبَّه ي ْو ًما‬
     ‫لأنني أعجز عن ال َّرد على ك ِّم‬                                                                               ‫سامية‪،‬‬
  ‫الرسائل التي وصلتني وأعتذر‬            ‫عن فخذ الغانية المجهولة‪ ،‬دماغ‬                                              ‫وأ ْسق ُط‪.‬‬
  ‫بخج ٍل؛ أقول‪ :‬أنا بخير‪ .‬وبعضة‬           ‫الشاب الملفوف بالشال‪ ،‬ثدي‬
      ‫شفة أقاوم حصص العلاج‬                                                                 ‫لد َّي الكثير من الجرائم لم أرتكبها‬
    ‫الكيميائي ومضاعفاته وأكتم‬           ‫الحامل‪ ،‬صدر الشقراء المثقوب‪،‬‬                                                 ‫بعد»‪.‬‬
                                      ‫ضرس الزنجي‪ ،‬مؤخرة الكسيح‪..‬‬
        ‫الأوجاع المقيتة‪ .‬وأواصل‬                                                            ‫شعرية الألم والانتظار في‬
  ‫ماراطون الفحوصات والتحاليل‬             ‫وأشعار الملعون «غوتفريد بن»‬                             ‫أبهى تجلياتها‬
 ‫وصور الأشعة في انتظار العملية‬                             ‫ومشرطه‪.‬‬
 ‫الجراحية قريبًا‪ .‬وأنا بخير؛ أعود‬                                                             ‫علاما كانت تنتظر سامية وكنا‬
   ‫بلسان الشعر‪ .‬وما أكتبه إليكم‬                  ‫فج ًرا‪ ،‬سمع ُتها ُتص ِّل‪،‬‬                      ‫ننتظر معها؟! تنتظر الحروب‬
                                        ‫من أجل أجنَّ ٍة ينامون في المزابل‬                      ‫القادمة! الفرح البعيد أم الموت‬
    ‫أكتبه بلسان الشعر‪ .‬فاقرؤوه‬                                                                 ‫المؤجل؟ لم أعرف امرأة تدور‬
             ‫بلسان الشعر فقط‪.‬‬                        ‫وبين المراحيض‪.‬‬                             ‫في فلك الشعر مثلها‪ ،‬في أشد‬
                                             ‫ر َّضع يفقدون ألسنتهم في‬
  ‫وسأنهض؛ ليس لأنني أتساقط‬                                                                  ‫اللحظات مر ًضا وألمًا كانت تكتب‬
     ‫بل لأنني أجثو أحيا ًنا لألتقط‬                           ‫الملاجئ‪.‬‬                         ‫الشعر علَّه ينجيها‪ ،‬علَّه يرد لها‬
                                       ‫ع َّج ٌز يزحفون على مؤ ِّخراتهم إلى‬
‫الفرح الذي تبعثر مني وأنا أنفض‬                                                                   ‫بعض دينه‪ ،‬إلا أن النداء لها‬
   ‫هذا الخبيث عن كتفي وأنفض‬                      ‫بيوت لم تعد بيوتهم‪.‬‬                          ‫كان «لا توقظي الأموات»‪ ،‬تلك‬
    ‫عن حجري من تساقطوا منه‬                ‫أرامل‪ ،‬أمهات‪ ،‬عاشقات ي ُطف َن‬
                                       ‫بالمشفى وير ُجم َن شيطان الموت‪.‬‬                           ‫قصيدتها التي لم أجرؤ على‬
  ‫خيبة وخذلا ًنا وأنهض‪ .‬وسأظل‬          ‫صبا ًحا‪ُ ،‬تص ُّر على تغيير ملاءات‬                      ‫قص جزء منها من أجل المقال؛‬
     ‫أعود رغم التعب حتى يزول‬                                                                ‫لأ َّني صد ًقا شمم ُت فيها رائحتها‬
                                             ‫سريري البيضاء بنفسها‪.‬‬                            ‫وأحسست أ َّنها بمشر ٍط كتبتها‬
  ‫التعب فلا تلقوا على كتفي عباءة‬          ‫تحصي الكدمات على جسدي‪.‬‬
    ‫الاستلطاف مع ك ِّل ن ٍّص‪ ،‬فأنا‬        ‫تلع ُن المس ِّكنات اللعينة وطيب َة‬                                  ‫على جسدها‪:‬‬
                                                                                              ‫«المُم ِّرض ُة التي ُتص ُّر على تغيي ِر‬
‫أنفضها عني كلما فررت إليكم من‬                        ‫أمراضي الخبيثة‪.‬‬
 ‫غرفي الضيقة ومسكناتي اللعينة‪.‬‬          ‫توشوشني‪ :‬لا توقظي الأموات!‬                                         ‫ملاءا ِت سريري‬
                                                                                                 ‫البيضاء بنفسها‪ ،‬وفي نفس‬
   ‫أنا بخي ٍر مادام في العمر لسان‬                           ‫وتختفي‪.‬‬
 ‫شعر‪ ،‬وابتسامة شعر‪ ،‬وأصدقاء‬              ‫يقول شاه ُد عيا ٍن لم يفقد ثقته‬                                    ‫التوقي ِت تما ًما‪،‬‬
                                                                                           ‫ت َّم طردها هذا الصباح من المشفى‬
   ‫يقرؤونني بخير‪ ،‬ولا يحولون‬                                ‫بالأحياء‪،‬‬
   ‫حائطي هذا إلى مبكى‪ .‬أحبكم»‬         ‫إنه يراها‪ ،‬في نفس التوقيت يوميًّا‪،‬‬                       ‫بتهمة سرقة أزها ٍر من غرف‬
                                                                                                   ‫المرضى وازعاج الأموات‪.‬‬
                                            ‫تض ُع أزها ًرا على قبر َر ُج ٍل‪،‬‬
                                           ‫وتعتذر لأنها لم ُتغيِّر ملاءت ُه‬                     ‫البارحة‪ ،‬ح َّدثتها عن الرائحة‬
                                                                                           ‫الضيِّقة للشعر في جسدي المفتوح‪.‬‬
                                              ‫البيضاء هذه منذ سنتين‪.‬‬
                                         ‫وتح ِّدث ُه عن امرأة ترك ُض لي ًل‪،‬‬
                                       ‫بين غرفة العمليات والمشرحة و‬
                                          ‫تكت ُب شع ًرا مفتو ًحا كجسدها‬

                                                                ‫تما ًما‬
                                                   ‫ولا توقظ الأموات»‬
   281   282   283   284   285   286   287   288   289   290   291