Page 284 - merit 53
P. 284

‫العـدد ‪53‬‬                              ‫‪282‬‬

                                                           ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

   ‫نجده جليًّا في ديوان «لا تلتفت‬                                     ‫يانيس ريتسوس‬                  ‫ك َت َبها بين عامي ‪ 1868‬و‪،1882‬‬
   ‫لنراها» التجربة الأولى لسامية‬                                                                      ‫أي قبل موته مباشرة‪ ،‬ليكتب‬
   ‫ساسي‪ ،‬وفيه نكتشف شاعرة‬                                       ‫عانقني صاحبي وبكى‪ ،‬قال‪:‬‬              ‫‪ 83‬قصيدة فقط‪ُ ،‬ن ِش َر منها في‬
 ‫حفرت اسمها وقصائد في أرض‬                                  ‫هنالك ريح‪ ،‬ري ُح ته ُّز الجبل الذي‬
                                                                                                    ‫حيا ِت ِه ‪ 50‬فقط‪ ،‬ولم َت َر القصائد‬
               ‫الشعر؛ وأزهرت‪.‬‬                                              ‫هو قلبي‪ :‬أن ِت»‪.‬‬          ‫الثلاثة والثلاثون الباقي ُة النو َر‬
‫سامية لها أسلو ٌب شعري خاص‪،‬‬
                                                            ‫شاعرة الديوان الواحد‬                  ‫حتى العام ‪ .1930‬اختار أن ُينه َي‬
   ‫يستدرج المتلقي لداخ ِل النَّص‪،‬‬                                                                  ‫حيا َت ُه بالشعر كما بدأها ‪-‬شاع ًرا‬
   ‫ويجعل من الغموض والرمز َّية‬                                ‫قال صاحبها ‪-‬كما كانت تح ُّب‬         ‫دو َن أ ْن يعي‪ ،-‬وقد غ َلب ْت على كل‬
                                                            ‫أ ْن تناديه‪ -‬أ َّنها رغم قرب انتهاء‬
    ‫شك ًل له‪ ،‬كما أ َّن لها معجمها‬                                                                         ‫قصائده الثيمة الوداعيَّة‪.‬‬
‫الخاص بها‪ ،‬معجم ال َّذات الكاتبة‪،‬‬                             ‫ديوانها الثاني‪ ،‬إلا أ َّنها رفضت‬    ‫ال ِشعر كان الق َّشة التي تعلقت بها‬
                                                                ‫طباعته حتى تسمى بشاعرة‬
   ‫وكالجواهرجي تنتقي المفردات‬                                                                       ‫سامية لتنجو‪ ،‬وكان أي ًضا الفخ‬
   ‫المناسبة وتتفحصها‪ ،‬وتحركها‬                              ‫الديوان الواحد‪ ،‬إ َّنها شاعرة تعتز‬      ‫الذي ُنصب لها ببراعة كي تذهب‬
   ‫ببراع ٍة داخل القصيدة وتخرج‬                              ‫بكل حر ٍف كتبته في عملها الأول‪،‬‬       ‫بكامل القداسة والبهاء‪ .‬ذهبت ولم‬

       ‫الصور الشعرية البكر من‬                                  ‫عكس الكثيرين الذين ينكرون‬                          ‫تلتفت؛ لنودعها‪.‬‬
   ‫خزائنها‪ ،‬وتوظفها بشكل جيد؛‬                               ‫تجاربهم الأولى‪ ،‬فقد تبرأ محمود‬           ‫كانت تعلم أنها راحلة وتبتسم‪،‬‬
                                                                                                     ‫وكنا نعلم أي ًضا ونراوغ‪ ،‬كتبت‬
     ‫ممتمافر ُيدعةمبقراالئقح ٍةصيطداةزوجية‪:‬جعلها‬             ‫درويش من مجموعته الشعرية‬
          ‫«مازال حبيبي شاع ًرا‪.‬‬                              ‫الأولى‪ ،‬وأحرقت سوزان عليوان‬                      ‫قبل أيام من رحيلها‪:‬‬
                                                                                                     ‫«كنت سأسأل طبيبتي‪ :‬كم من‬
   ‫وما زل ُت أ ْلع ُق قصائد ُه حلوى‪،‬‬                            ‫دواوينها الثلاثة الأولى لأ َّنها‬
                      ‫فلا ي ْحلُو‪.‬‬                            ‫نشرتها في س ٍن مبكرة وعندما‬                     ‫الوقت تبقى لي إذن؟‬
                           ‫هو‪،‬‬                             ‫امتلكت من الوعي ما يكفي لتشعر‬                           ‫لكنني لم أفعل‪.‬‬

            ‫لا يخو ُن ِحميت ُه لي ًل‪،‬‬                           ‫بعدم الرضا عنها؛ أحرقتها‪.‬‬           ‫ولأنني أخاف المشرط‪ ،‬ويخيفها‬
             ‫يغ ِم ُسني في البحر‪،‬‬                          ‫الحقيقة أن التجارب الأولى ليست‬         ‫تفتت جبال في صمتي‪ ،‬حدثتها عن‬
                                                            ‫كلها غير ناضجة‪ ،‬نضج التجربة‬
    ‫ويأك ُل أصاب َع ُه عند الشاطئ‪.‬‬                                                                                      ‫المحارات‪.‬‬
                            ‫أنا‪،‬‬                                                                   ‫هكذا‪ ،‬بقسو ِة السكاكين‪ ،‬نفتحها‪،‬‬

               ‫أع ُّض على شفتي‪،‬‬                                                                         ‫المحارات المكتفيَّة بابتسام ٍة‪.‬‬
      ‫توأأ ُكك ُُتل ُبجثّ ِتش ْيعنًرا»‪ .،‬عن حبَّ ِة مل ٍح‬                                               ‫ثم‪ ،‬خميس آخر‪ ،‬وقت قليل‬
  ‫هذا النص ُيحيلنا إلى نقط ٍة هام ٍة‬                                                               ‫وضروري لتبدأ الحكاية‪ ..‬حكاية‬
     ‫في شع ِر سامية ساسي‪ ،‬هي‬                                                                      ‫امرأة ضمت بح ًرا إلى صدرها ك َّل‬
    ‫أ َّنها تشتغل على الصراع بين‬                                                                   ‫هذا العمر‪ ،‬يفتحون الآن صدرها‬
  ‫الأنا والآخر بين «هي» و»هو»‪،‬‬                                                                      ‫كمحار ٍة‪ ،‬والمحارات التي تروي‬
  ‫مع توظيفها لأسلوب الاستفهام‬                                                                        ‫حكاياتها حين ُتفتح‪ ،‬لا تنتهي‪.‬‬
‫بشكل بارز‪ ،‬ضمن سياقات ثنائيَّة‬                                                                       ‫يمكنكم إذن أن تضعوا ي ًدا على‬
    ‫أو مقابلات صور َّية‪ ،‬لا تعني‬                                                                   ‫صدرها الآن وتنصتوا‪ ،‬في الوقت‬
   ‫التضاد بالطبع‪ ،‬أو الصدام مع‬                                                                        ‫القليل الذي تبقى لها‪ ،‬إلى بقية‬
 ‫الآخر‪ ،‬إ َّنما التكامل لهما م ًعا‪ ،‬فلا‬
   ‫يمكن أن تكتمل الحياة إ َّل بهما‬                                                                                      ‫الحكاية»‪.‬‬
 ‫م ًعا‪« ،‬هذا البي ُت يتَّسع لشاعر ْين‬                                                               ‫«انتفض الطائر‪ ،‬قال التشخيص‬

                                                                                                                           ‫الطبي‪:‬‬
                                                                                                    ‫جسم غريب من الصنف الرابع‪،‬‬

                                                                                                                  ‫يجب استئصاله‪.‬‬
   279   280   281   282   283   284   285   286   287   288   289