Page 279 - merit 53
P. 279

‫‪277‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫تأبين‬

       ‫ونوغل في سجف متراكمة‬         ‫النبي أو صورة الشاعرة الرسولة‬                               ‫تقول‪:‬‬
    ‫وطبقات كثيفة يواري بعضها‬            ‫التي ترى ما لا يراه الآخرون‬      ‫وأحب شاحنة البيرة التي تركن‬
‫بعضا‪ ،‬فتلتقي النزعة السردية مع‬         ‫مهما كانت كثرتهم‪ .‬إنها نبوءة‬
 ‫النزعة الشعرية على أرضية زلقة‬          ‫«الأصابع التي تقذف سريتها‬                ‫الآن‪ ،‬فارغة‪ ،‬أمام بيتي‬
   ‫ومخاتلة‪ ،‬وفوق رمال متحركة‬          ‫خلف النوافذ وتحت الجدران»‪،‬‬       ‫فأسكر بلحس الحبر بين أصابعي‬
    ‫تزلزل ثبات النص ووثوقيته‪،‬‬           ‫فيغدو نجس الشاعرة طهارة‪،‬‬
     ‫وتؤسس لنص مخاتل مربك‬                                                   ‫تحت عريشة العنب‪ ..‬وأغني‬
  ‫يتظاهر بالسرد ويضمر الشعر‪.‬‬        ‫ونحسها بركة تحل بها وتعمدها‪.‬‬                              ‫(ص‪)73‬‬
                                           ‫وتجدر الإشارة هنا إلى أن‬
 ‫تقف صامدة أمام الريح‬                                                         ‫الشاعرة مسكونة بهاجس‬
 ‫«تلك المرأة التي تدمع»‬              ‫قصيدة النثر الحكاية عند سامية‬     ‫الاختلاف شعر ًّيا لذلك فإن عملية‬
                                      ‫ساسي لا تسير نحو مغزى أو‬
      ‫‪ ‬في هذا الإطار تبدو سامية‬       ‫عبرة معينتين‪ ،‬وإنما تسعى إلى‬       ‫الكتابة بالنسبة إليها هي «قيادة‬
  ‫وفية لأقانيم الشعر الحديث‪ ،‬إذ‬      ‫الكشف عن حقيقة ذاتية أو رؤيا‬            ‫شاحنة بيرة»‪ ،‬هي لا تخاف‬
                                       ‫مخصوصة نستشفها من ثنايا‬
    ‫لا يمكن الحديث عن الصورة‬           ‫الأحداث‪ ،‬فيتضح في هذا النمط‬      ‫شيئًا ولا تخفي شيئًا‪« ،‬ولا شيء‬
        ‫الشعرية في قصيدة النثر‬                                            ‫يترنح تحت ورقة التوت»‪ ،‬ولا‬
                                    ‫من قصيدة النثر الميل إلى التقرير‬       ‫يعنيها كثي ًرا «استغفار الشاي‬
    ‫المعاصرة دون ربطها بالرمز‬        ‫أو التسجيل السيري‪ ،‬وقد تعتمد‬        ‫في المقاهي»‪ ،‬وإنما هي تستمرئ‬
   ‫والقناع‪ ،‬وهذا يجعل لها أبعا ًدا‬    ‫سامية في نصوصها على تجربة‬                ‫لعنات المجموعة القطيعية‬
                                                                           ‫وتستمتع بحجارة الأطفال‬
     ‫ايحائية عديدة وكثيفة‪ ،‬فهي‬           ‫شخصية وتفاصيل واقعية‪،‬‬
     ‫لا تسعى إلى تصوير الواقع‬          ‫ولكنها تضفي عليها حساسية‬        ‫يرمونها بها‪ ،‬وبذلك تتجلى‬
     ‫ومحاكاته وإنما تروم إعادة‬         ‫أسطورية أو خرافية‪ ،‬فتتجاوز‬        ‫لنا صورة الشاعر‬
 ‫تسمية العالم وترتيبه من جديد‪،‬‬
   ‫وتروم التلميح دون التصريح‬              ‫الحدث الفردي ليبلغ نصها‬
       ‫أو التعيين‪ ،‬وسامية عندما‬     ‫صورة فنية متكاملة ترجع صدى‬
   ‫تستحضر هذه الأقنعة الدينية‬       ‫ما يسمع من وراء مدلول التجربة‬
   ‫أو الأسطورية أو التاريخية لا‬     ‫المبدئية ذاتها‪ .‬بل قد يوحي برؤى‬
     ‫تستحضرها كما تكرست في‬
   ‫بطون الكتب والمصنفات‪ ،‬وإنما‬        ‫جديدة تناهض الرؤى المتوارثة‪،‬‬
    ‫تقتطعها من سياقها وتوظفها‬        ‫وهذا النمط من الشعر يقوم على‬
 ‫توظي ًفا مخصو ًصا يوحي بأبعاد‬      ‫تقنية الاختراق‪ ،‬أي اختراق ظاهر‬
  ‫ذاتية وبرؤى نفسية ووجودية‪،‬‬           ‫الأحداث والشخصيات والمكان‬
    ‫ففي نص «عرش من قوارير»‬           ‫والزمان‪ ،‬والارتقاء بها إلى رؤية‬
   ‫(ص‪ )50‬تل ِّمح إلى قصة النبي‬       ‫أشمل للوجود ولذواتنا ولقيمنا‪.‬‬
      ‫سليمان مع ملكة سبأ‪ ،‬وفي‬
 ‫قولها «ولن تصيبك ريح خرساء‬            ‫ومن هنا فإن تتالي الأحداث لا‬
 ‫بحجر أسود» استحضار لبعض‬               ‫يحيل على رغبة في سرد قصة‬
     ‫أبعاد السيرة النبوية‪ ،‬ولكنها‬
   ‫توظف هذين القناعين للأحياء‬            ‫ما؛ لأن هذه الأحداث في حد‬
‫بصورة المرأة العربية‪ ،‬وخاصة ما‬       ‫ذاتها لا تنتظم وفق حبكة معينة‪،‬‬
                                      ‫وإنما هي تتلون بتلاوين نفسية‬
                                    ‫ورمزية تستحضر غلائل الأعماق‬

                                         ‫الضبابية‪ ،‬فإذا بنا إزاء قناع‬
                                       ‫يخفى قنا ًعا‪ ،‬بل نحن في شعر‬
                                    ‫سامية نسير في غابة من الأقنعة‪،‬‬
   274   275   276   277   278   279   280   281   282   283   284