Page 117 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 117

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬              ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ثـم يقـول‪« :‬ولقـد اسـتعانت الإنسـانية منـذ القـدم علـوم الفلسـفة ‪ -‬كمـا قلنـا ‪ -‬يقـوم منهجـه علـى‬

‫الاسـتدلال‪ .‬والعلـم التجريبـي فـي مجـال الإبـداع‬        ‫بوسـيلتين تمكنانهـا مـن تحقيـق التكيـف همـا‪:‬‬
‫يعـد وافـدا جديـدا علـى علـم الجمـال ويشـترك معـه‬       ‫(المعرفـة العلميـة‪ ،‬والتعبيـر الفنـي)‪ .‬وبالمعرفـة‬
‫فـي الاشـتغال بمسـائل الجمـال فـي الفنـون‪ ،‬ولكـن‬        ‫العلميـة عملـت علـى كشـف البيئـة الخارجيـة‬

‫وتغييرهـا‪ ،‬أعنـي الواقـع الخارجـي المحيـط بالأنـا‪ ،‬مـن منظـور مختلـف وهـو المنظـور التجريبـي‪.‬‬
‫وبالتعبيـر الفنـي عملـت علـى سـبر البيئـة الداخليـة لذلـك يتسـاءل مصطفـى سـويف عـن موضـع‬

‫وتغييرهـا‪ .‬كلمـا تغيـر العالـم الخارجـي تغيـر العالـم بحثـه التجريبـي فـي هـذا السـياق‪ :‬هـل هـو بحـث‬

‫الداخلـي‪ .‬وهكـذا أمكـن للحضـارة أن تنمـو وتتقـدم مـن بحـوث علـم الجمـال أو هـو بحـث مـن أبحـاث‬
                           ‫معتمـدة علـى هذيـن العنصريـن المتكامليـن‪( :‬العلـم سـيكولوجية الإبـداع؟‬

‫وللإجابـة عـن هـذا التسـاؤل لا يكفـي القـول‪ :‬إن‬         ‫والفـن)‪ .‬فـإذا كنـا نمضـي إلـى هـذا الحـد فـي تقديـر‬
‫موضـوع الجمـال الفنـي أو الطبيعـي هـو القاسـم‬           ‫خطـورة الفـن وعظـم رسـالة الفنـان‪ ،‬فـا أقـل مـن أن‬
‫المشـترك بيـن الفلسـفة والعلـم ‪ .‬فالجمـال هـو الميـدان‬
‫الأوسـع الـذي يضـم تحـت لوائـه موضوعـات كبـرى‪.‬‬                         ‫نفـرد للإبـداع الفنـي بحثـا كهـذا”‪.‬‬
‫وقـد اشـتغل علـم الجمـال فـي مبـدأ أمـره بالتـذوق‪،‬‬
‫وهـو أحـد الجوانـب الأربعـة التـي تمثـل الظاهـرة‬        ‫فسـويف حيـن يربـط بيـن أزمـة الحضـارة والتكامـل‬
‫الجماليـة وهـي‪( :‬الواقـع‪ .‬المبـدع‪ .‬النـص‪ .‬المتلقـي)‪.‬‬    ‫الاجتماعـي مـن جهـة‪ ،‬وبيـن العلـم والفـن فـي بنـاء‬
                                                        ‫التكافـل الاجتماعـي وتشـييده مـن جهـة أخـرى‪،‬‬
                                                        ‫يعقـد صلـة قويـة بيـن العلـم والفـن باعتبارهمـا‬

‫فالد ارسـات التـي تناولـت الواقــع‪ :‬بحثـت عـن‬           ‫ركنيـن متكامليـن‪ ،‬ويؤكـد وظيفـة العلـم ووظيفـة‬
‫مصـادر الفـن أهـي اجتماعيـة أم مفارقـة للواقـع‬          ‫الفـن فـي التكيـف الاجتماعـي‪ ،‬وفـي الحفـاظ علـى‬
                                                        ‫بقـاء الإنسـان‪ .‬لذلـك يلجـأ للعلـم ومناهجـه الجديـدة‬
                                 ‫ا لا جتما ع ـي ؟‬       ‫للكشـف عـن مسـائل غامضـة فـي الفـن مثـل الإبـداع‬
                                                        ‫وكيفياتـه وصلاتـه بالإطـار الاجتماعـي‪ ،‬وينـأى عـن‬
‫والد ارسـات التـي تناولـت المبــدع‪ :‬تناولـت‬             ‫المناهـج التأمليـة الاسـتدلالية‪ .‬ولأن العلـم يفـرض‬
‫شـخصيته باعتبارها شـخصية مفارقة لطبيعة البشـر‬           ‫علـى الباحـث منطقـا لا يبرحـه ‪ -‬أولـى خطواتـه‬
                                                        ‫التعـرف علـى مجـال بحثـه وتحديـده‪ ،‬والتعـرف علـى‬
                    ‫أو مختلفـة اختلافـا كيفيـا‪.‬‬         ‫أبعـاد الظاهـرة موضـع البحـث‪ ،‬والتثبـت مـن حدودهـا‬
                                                        ‫‪ -‬فقـد مضـى سـويف فـي هـذا الطريـق علـى هـدي‬
‫والد ارسـات النـي تناولـت النـص‪ :‬تناولتـه مـن زوايـا‬    ‫مـن هـذا المنطـق العلمـي ‪ .‬ووضـع الأسـئلة عـن‬
                         ‫عديـدة سـياقية ونصيـة‪.‬‬         ‫مجـال بحثـه وعـن موضوعـه وعـن موضعـه مـن‬

‫والد ارسـات التـي تناولـت المتلقــي‪ :‬كانـت تبحـث‬                          ‫سـياق العلـم فـي هـذا المجـال‪.‬‬
‫عـن كيفيـات التلقـي وأسـبابه ووظيفـة الفـن وتأثيـره‬
                                                        ‫ومع أن سـويف وضع هذه الأسـئلة بهذا الترتيب‪،‬‬
                                 ‫علـى المتلقـي‪.‬‬         ‫فإنـي أبـدأ بالسـؤال الأخيـر‪ ،‬وهـو عـن موضـع بحثـه‬
                                                        ‫مـن سـياق العلـم‪ .‬فعلـم الجمـال يمثـل مـن الناحيـة‬
‫وكان بدهيـا أن تنشـأ علـوم يتخصـص كل منهـا‬              ‫التاريخيـة سـياقا تاريخيـا للبحـث فـي مسـائل الجمـال‬
‫فـي ميـدان مـن هـذه المياديـن‪ .‬ومـن هـذه العلـوم‬        ‫سـواء فـي الفنـون أو فـي الطبيعـة‪ .‬وهـو علـم مـن‬
‫علـم الجمـال الـذي اشـتغل بمسـألة التـذوق والخبـرة‬
‫الجماليـة والحكـم الجمالـي والقيمـة ومـا إلـى ذلـك‪،‬‬
‫أي اشـتغل بالتلقـي ولـم يلتفـت إلـى الإبـداع مـن حيـث‬
‫طبيعتـه ومصـادره إلا فـي مرحلـة قريبـة بالنسـبة إلـى‬

                                       ‫تاريخـه‪.‬‬

‫‪117‬‬
   112   113   114   115   116   117   118   119   120   121   122