Page 120 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 120
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
نتائـج اسـتخلصوها مـن مشـاهداتهم فـي مياديـن غيـر إلـى أن «كتاباتهـم تبحـث غالبـا فـي منبـع العمـل
ميـدان الإبـداع ،علـى ميـدان الإبـداع .هـذا بالإضافـة الفنـي ،فـي حيـن أننـا نبحـث فـي كيفيـة إبداعـه .نريـد
إلـى علـة جوهريـة أخـرى وهـي أنهـم يبحثـون فـي أن نتبيـن الإبـداع الفنـي مـن حيـث هـو عمليـة بيـن
منابـع الإبـداع ،وهـو يبحـث فـي كيفيـات الإبـداع. عمليـات النشـاط النفسـي المتعـددة .كيـف تمضـي
ومـن ثـم فإنـه سـعى إلـى تجـاوز هذيـن الفريقيـن هـذه العمليـة منـذ نشـأتها حتـى نهايتهـا؟ ومعنـى ذلـك
أننـا لـن نفيـد كثيـ ار مـن كتابـات أصحـاب التحليـل
اللذيـن يمثـان التـ ارث العلمـي السـابق عليـه. النفسـي فـي موضوعنـا هـذا .وهنـاك سـبب آخـر
يمنعنـا مـن الإفـادة منهـا أيضـا ،ذلـك أن المنهـج
وهـو فـي سـعيه هـذا كان مسـتجيبا لمنطـق التطـور المسـتخدم فـي هـذه الكتابـات ليـس بالمنهـج العلمـي
العلمـي منـذ نهايـات القـرن التاسـع عشـر ،الـذي الدقيـق الـذي تغذيـه التجربـة أو تقومـه بيـن الحيـن
شـهد تحـول البحـث الفلسـفي التأملـي حـول ظواهـر والحيـن .إنمـا هـو منهـج اسـتدلالي ،غالبـا يمضـي
المجتمـع والتاريـخ والإنسـان إلـى علـوم سـعت إلـى فيـه أصحابـه مـن النتائـج التـي اسـتخلصوها مـن
ضبـط مجالهـا ومناهجهـا ،وازداد هـذا التحـول فـي مشـاهداتهم فـي مياديـن غيـر ميـدان الإبـداع الفنـي،
القـرن العشـرين بعـد أن احتـل العلـم -بمـا توصـل محاوليـن تطبيقهـا علـى مـا يشـاهدون مـن وقائـع فـي
إليـه مـن نتائـج -مكانـة الفلاسـفة الذيـن صاغـوا هـذا الميـدان .ولمـا كنـا قـد اخترنـا لأنفسـنا المنهـج
العلمـي القائـم علـى المشـاهدة إلـى جانـب الفـرض
منج ازتهـم الكبـرى عبـر تأملاتهـم. والاسـتدلال ،فقـد وجـب علينـا ألا نفيـد مـن هـذا
وكان مـن بيـن مـا شـهده هـذا التحـول هـو الالتفـات الاتجـاه فائـدة ذات خطـر”.
إلـى الظاهـرة الفنيـة وإخضاعهـا إلـى مناهـج العلـم
الإحصائـي والتجريبـي بعـد أن ظلـت زمنـا طويـا وممـا سـبق نـرى أن مصطفـى سـويف بعـد أن
مجـالا رحبـا للتأمـات الفلسـفية ،وصـارت هـذه حـدد ميـدان بحثـه ،وبعـد أن حـدد موضوعـه الـذي
الظاهـرة مـادة علـم الفـن وعلـوم أخـرى .واتسـعت سـيبحثه ،اتخـذ موقفيـن نقدييـن مهميـن ،الأول:
موضوعـات هـذا العلـم مـن حيـث الإبـداع والتلقـي موقفـه مـن الاسـتطيقا ومـن فلاسـفتها ،والثانـي:
موقفـه مـن الفرويدييـن وهـم علمـاء النفـس .وأسـاس
الـذي يتناولـه الباحثـون مـن ازويتيـن: هذيـن الموقفيـن واضـح عنـده كل الوضـوح وهـو
اختـاف المنهـج الـذي يؤسـس اختـاف المفاهيـم،
•الأولـى :كيـف يتعـرف العقـل علـى الموضـوع واختـاف الإجـ ارءات المنهجيـة ،ومـن ثـم مـا ينتـج
الجمالـي؟ عـن ذلـك مـن نتائـج .فمنهـج فلاسـفة الاسـتطيقا
منهـج اسـتدلالي سـواء أكان مجـال البحـث عندهـم
•والثانيـة :مـا تأثيـر ذلـك التعـرف علـى عقـل التـذوق أم الإبـداع أم همـا معـا ،والنتائـج التـي
المتلق ـي؟ انتهـوا إليهـا نتائـج ليسـت خاضعـة للقيـاس العلمـي
ولا للتجربـة وأسـيرة النهـج التأملـي العقلـي الخالـص.
وهاتـان ال ازويتـان كانتـا خاضعتيـن للتأمـل الفلسـفي ومنهـج الفرويدييـن -علـى الرغـم مـن توجههـم
قبـل التقـدم العلمـي .وأصبـح العمـل فـي هاتيـن التحليلـي -منهـج غيـر دقيـق علميـا ولا تغذيـه
ال ازويتيـن مـن مهمـة علمـاء النفـس الذيـن يدرسـون - التجربـة ولا المشـاهدة ،ويطبقـون مـا وصلـوا إليـه مـن
إحصائيـا وتجريبيـا -عمليـات الإد ارك والإحسـاس
الجمالييـن وعمليـات الإبـداع الفنـي عنـد الفنانيـن.
وقـد نحـا سـويف هـذا المنحـى العلمـي الخالـص
فـي د ارسـة موضـوع الإبـداع الفنـي ،وهـو موضـوع
يسـبق التلقـي أي يسـبق العمـل الأدبـي أو الفنـي،
120