Page 49 - ثقافة قانونية العدد السادس- للنشر الالكتروني
P. 49

‫المرأة في الحضارة المصرية القديمة‬                                                          ‫بقلم‪:‬‬
                             ‫شريك في بناء المجدء‬

                                                                                         ‫الآثرية‪ /‬هبة الحلواني‬

‫ثــقافة قــــانونية‬                                                               ‫وصناعة التاريخ‪.‬‬            ‫امتازت الحضارة المصرية القديمة برؤية متقدمة لدور المـرأة‪ ،‬متفوقة بذلك‬
                          ‫أما على الصعيد الاجتماعي‪ ،‬فقد كانت المرأة شريكة لزوجها في الطقوس الدينية‬           ‫على معظم حضارات العالم القديم‪ .‬فقد حظيت المرأة بمكانة اجتماعية وقانونية‬
                          ‫والمناسبات الاجتماعية‪ .‬وقد ص ّورت الجداريات الزوجين م ًعا يتقاسمان العمل‬           ‫متميزة‪ ،‬ومارست أدوارًا فعالة في الحياة اليومية والسياسية والدينية‪ ،‬كما تكشف‬
                          ‫والعبادة والطعام‪ ،‬في تجسيد واضح لفكرة الشراكة الكاملة‪ .‬وتمتعت المرأة المصرية‬       ‫لنا النصوص والنقوش والبرديات التي تصور مجتم ًعا لم يعتبر المرأة تابعة للرجل‪،‬‬
                          ‫القديمة بحقوق قانونية واسعة‪ ،‬لم تتحقق لنساء كثيرات في حضارات أخرى معاصرة؛‬
                          ‫فقد كان لها الحق في التملك والتصرف في ممتلكاتها بحرية‪ ،‬والحق في الطلاق‬                                             ‫بل شريكًا حقيق ًيا في مسيرة بناء الحضارة‪.‬‬
                          ‫والمطالبة به رسم ًيا‪ ،‬وحق الميراث والتقاضي ورفع الدعاوى القضائية بنفسها دون‬        ‫لم ُيقتصر دور المرأة على إدارة شؤون المنزل فقط‪ ،‬بل امتد إلى مجالات متعددة؛‬
                                                                                                             ‫فقد شاركت في الحصاد‪ ،‬وصناعة المنسوجات والعطور‪ ،‬ومارست العديد من الحرف‬
                                                                              ‫حاجة لوصي أو وكيل‬              ‫اليدوية‪ .‬كما برزت في الحياة الدينية‪ ،‬حيث شغلت مناصب كهنوتية‪ ،‬خاصة في المعابد‬
                          ‫وكانت المرأة رم ًزا للخصوبة والإبداع والتوازن الكوني في الفكر الديني المصري؛‬       ‫الكبرى مثل معبد آمون في طيبة‪ .‬وظهرت بينهن مثقفات بارعات في القراءة والكتابة‪،‬‬
                          ‫فقد اع ُتبرت وظيفتها في إعمار الكون وظيفة مقدسة‪ .‬وتجلّى تقديس الأمومة في‬           ‫مما يؤكد أهمية دور المرأة في نشر العلوم والمعرفة؛ إذ ُنسبت بعض الفنون والعلوم‬
                          ‫تصوير الإلهات مثل «إيزيس» و»حتحور» كنماذج للأم المثالية‪ ،‬بينما جسدت الإلهة‬
                                                                                                                                  ‫إلى معبودات إناث مثل «سشات» راعية الكُتاب والكتابة‪.‬‬
                             ‫«ماعت» مفاهيم العدالة والحق‪ ،‬وكانت رم ًزا أنثو ًيا محور ًيا في العقيدة المصرية‬  ‫ولم تقتصر مكانة المرأة على الحياة المدنية والدينية فقط‪ ،‬بل امتدت إلى قمة‬
                          ‫إن ما بلغته المرأة المصرية القديمة من مكانة رفيعة يظل شاه ًدا على عظمة تلك‬         ‫السلطة السياسية؛ حيث اعتلت بعض النساء عرش مصر‪ .‬من أبرز هؤلاء‪ :‬الملكة‬
                          ‫الحضارة وسبقها في الاعتراف بقدرات المرأة ودورها الحيوي‪ .‬بل إن تلك المكانة‬          ‫«خنت كاوس» آخر ملوك الأسرة الرابعة‪ ،‬والملكة «نيت إقرت» آخر ملوك الأسرة‬
                          ‫تفوقت‪ ،‬في جوانب كثيرة‪ ،‬على أوضاع المرأة في بعض المجتمعات الحديثة خلال‬              ‫السادسة‪ ،‬والملكة العظيمة «حتشبسوت» التي حكمت البلاد بنجاح لما يقارب ‪22‬‬
                          ‫القرون الأخيرة‪ ،‬مما يجعل الحضارة المصرية القديمة مصدر إلهام دائم في تقدير‬          ‫عا ًما‪ .‬كما لعبت الملكة «تي»‪ ،‬زوجة الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الثامنة عشرة‪،‬‬
                                                                                                             ‫دورًا سياس ًيا مؤث ًرا بصفتها مستشارة لابنها الملك إخناتون‪ .‬وهذه الأمثلة وغيرها‬
                                                                  ‫المرأة ودورها في نهضة المجتمعات‪.‬‬           ‫تؤكد أن المرأة لم تكن مجرد داعمة للحكم‪ ،‬بل شريكة أصيلة في صياغة السياسات‬

                   ‫‪49‬‬
   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54