Page 41 - تنوير 4-8
P. 41

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫صدقـه‪ ،‬فـإن الواقـع ‪-‬الحاضـر والمسـتقبل ‪ -‬سـيتخطاه لا‬               ‫‪ -‬كثيـر مـن يطالـب بالديمق ارطيـة السياسـية‪ ،‬وهـو لا‬
                                              ‫محال ـة‪.‬‬              ‫يؤمـن بحقـوق الإنسـان‪ ،‬ولا يؤمـن أي ًضـا بحقـوق الأقليـات‬
                                                                    ‫الدينيـة والمذهبيـة‪ .‬اي ًضـا نـري مـن يتحـدث عـن الديمق ارطيـة‬
‫‪ -‬إذن تقديـس الماضـى بشـكل مطلـق يعـد أمـًار يسـئ إلـى‬              ‫السياسـية‪ ،‬وهـو يدعـو للعنـف الدمـوى والإرهـاب‪ ،‬وإقصـاء‬
‫الفكـر الإنسـاني المتطـور‪ ،‬بـل ويسـئ إلـى إنسـان اليـوم‬

‫الـذي لـم يعـد مؤهـاً لأن يأتـي بجديـد‪ ،‬ولا أن يخـدم واقعـه‬         ‫الآخـر‪ ،‬وتكفيـر المختلـف دينًيـا ومذهبًيـا‪.‬‬

‫لـذا نعتقـد أن أزمـة العالـم العربـي أزمـة فكريـة بامتيـاز ‪ ،‬وأن المتغيـر‪ .‬وخاصـة أننـا فـي عصـر المعلوماتيـة والرقميـة‬

‫وتسـارع التكنولوجيـا‪ ،‬عالـم مـا بعـد الإنسـانية إن جـاز‬             ‫الأزمـات السياسـية إنمـا هـي نتـاج لأزمـات الفكـر‪.‬‬

                                             ‫التعبي ـر‪.‬‬             ‫اذن إذا أردنـا التقـدم والإصـاح فلابـد أن نبـدأ بالعقـل‪،‬‬
‫هـذا المنهـج النقـدى يتـواءم مـع مـا دعانـا إليـه القـرآن‬           ‫الوعـي‪ ،‬والفكر‪.‬لابـد أن يكـون فـي تعليمنـا اليـوم نقـًدا جريًئـا‬
‫الكريـم مـن الدعـوة إلـي النظـر العقلـي والتأمـل ‪ ،‬ورفـض‬            ‫للموروثـات التقليديـة مـن أفـكار وثقافـات‪ .‬التـي إن صلحـت‬

‫التبعيـة والجمـود*‪.‬‬                                                 ‫فـي زمانهـا فإنهـا لـن تصلـح اليـوم ‪.‬‬

‫النقد أساس الحوار الفاعل‪ ،‬هو المدخل الأساسي للتجديد‪ - ،‬إن أحـد أدوار الفلسـفة ‪ -‬هـي عـدم التسـليم بالواقـع‪،‬‬

‫إ اردة التغييـر‪ .‬هنـا تصبـح النتائـج التـي نصـل إليهـا بشـأن والتمـرد عليـه‪ ،‬لأن الواقـع فـي حاجـة ماسـة إلـي تغييـر‪ ،‬لـذا‬

‫أمـور الواقـع ليسـت مجـرد مجموعـة مـن «الأفـكار الجاهـزة» فنحـن بحاجـة إلـي ثقافـة تحريـر العقـل مـن الأفـكار المعلبـة‬

‫أو «الأطـر العقليـة الجامـدة «‪ ،‬بـل هـي فـروض قابلـة والقيـم سـابقة التجهيـز‪ ،‬ونبـذ التقليـد‪ .‬أي ًضـا نحـن بحاجـة‬
 ‫التعديـل فـي ضـوء متغيـ ارت الواقـع وتجـارب المسـتقبل‪ .‬إلـى التحـرر مـن الخـوف‪ ،‬ومـن أسـر المركزيـة الغربيـة‪.‬‬

‫‪ -‬إذا أردنـا الإصـاح حًقـا‪ ،‬لابـد مـن تجـاوز الماضـي‪ ،‬فـا‬           ‫صاحـب الفكـر النقـدى هـو ال ُمجـدد‪ ،‬المصحـح بفكـره‬
‫تجعلـه مخـدًار يشـل حركتنـا‪ ،‬ويحـول بيننـا وبيـن الابتـكار‬          ‫الأخطـاء الشـائعة فـي مجتمعـه‪ ،‬إنـه الطبيـب الـذي يشـخص‬
‫والتجديـد‪ ،‬بـل لابـد لنـا اليـوم مـن العمـل علـى التفكيـر‬           ‫الـداء ويقـدم الـدواء لمـن أ ارد الشـفاء ‪.‬الـروح النقديـة‪ ،‬حريـة‬
                                                                    ‫الفكـر‪ ،‬والتسـامح‪ ،‬عـدم التعصـب‪ ،‬إعـادة النظـر‪ ،‬لـهي أهـم‬
‫لحسـابنا الخـاص‪ ،‬دون الوقـوف عنـد تقليـد الغـرب أو النقـل‬

‫السـمات التـي بهـا يتقـدم أي مجتمـع‪ ،‬وبغيـر هـذا لا تعيـش عـن الثقافـة الغربيـة ‪ ،‬وكأنهـا الإطـار المرجعـي الوحيـد‪.‬‬

‫لابـد مـن النظـر إلـي المذاهـب الأوربيـة علـى أنهـا مجـرد‬           ‫فلسـفة ‪ ،‬ولا يتقـدم علـم‪.‬‬

‫نمـاذج فكريـة يمكـن الاسـتفادة منهـا ‪ -‬بمـا يتفـق مـع ثوابتنـا‬      ‫المحــور الثالــث‪ :‬طريقنــا إلــى الإصــاح والتقــدم ‪:‬‬
‫وهويتنـا وقيمنـا الخاصـة‪ ...‬وليـس علـى أنهـا النمـوذج‬                        ‫التحديــات والعوائــق‪ ،‬آليــات المواجهــة ‪.‬‬

                          ‫الأوحـد للحضـارة الإنسـانية‪.‬‬              ‫‪-‬الإصـاح والتجديـد يتنافـى مـع النقـل والتقليـد سـواء أكان‬
‫إن اسـتعلاء الغـرب وامتهانـه لبقيـة الشـعوب والحضـا ارت‪،‬‬                            ‫نقـاً عـن الماضـي أو تقليـًدا للغـرب (‪. )٦‬‬
‫وعدم إيمانه بالتعددية الثقافية والحضارية و تجذر الإيمان‬
‫بفكـرة المركزيـة ليـس بجديـد علينـا‪ ،‬لأن إرثـه اسـتعماري‪،‬‬           ‫إن كل عصـر لا يخلـو مـن الطيـب والـردئ‪ ،‬الحسـن‬
                                                                    ‫والقبيـح‪ ،‬لا يوجـد زمـن مـن الأزمـان منزًهـا تما ًمـا عـن‬
                        ‫ومحفـور فـي الذاكـرة العربيـة(‪.)7‬‬            ‫الخطـأ‪ ،‬ولا توجـد نظريـة أو مذهـب صـادق تما ًمـا‪...‬‬
‫النقـد بهـذا المعنـى ضـد الدوجمـا** والتفكيـر القطعـى‪ ،‬ضـد‬          ‫‪ -‬لذلـك فالتمسـك بالماضـى فقـط بوصفـه نمـوذج للكمـال‬
‫التعصـب والتشـبث بالـ أري الأوحـد‪ ،‬وادعـاء القـدرة علـى‬             ‫البشـرى وهـم مـن الأوهـام‪ ،‬لأن الماضـي مهمـا بلـغ مـن‬
‫امتـاك الحقيقيـة المطلقـة‪ .‬لذلـك فـإن التقـدم والنهضـة‬

                                                                ‫‪41‬‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46