Page 55 - تنوير 4-8
P. 55

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

                         ‫الخير وأخلاق العاطفة‬                       ‫بطاعـة القوانيـن الأخلاقية‪.،‬يقـول‪« :‬إن كل إنسـان لا بـد‬
                                                                    ‫أن يسـلم بالقانـون الأخلاقـي‪ ،‬أعنـي قاعـدة الإلـ ازم‪ ....‬هـذه‬
‫تنـدرج فـي أخـاق العاطفـة مـا دعـا إليـه «جـان جـاك‬                 ‫القاعـدة لا ينبغـي أن تلتمـس فـي طبيعـة الإنسـان ولا فـي‬
‫روسـو» ‪ )52()1712:1778( Rousseau‬خصو ًصـا فـي‬                        ‫ظـروف العالـم الـذي ُوضـع فيـه‪ ،‬بـل لا بـد مـن البحـث عنهـا‬
‫كتابـه‪« :‬رسـالة فـي أصـل التفـاوت بيـن البشـر» الـذي نشـره‬          ‫بطريقـة قبليـة فـي تصـو ارت العقـل الخالـص وحدهـا»‪)48(.‬‬
‫عـام ‪ ،1755‬وكتابـه‪« :‬إميـل أو التربيـة» الـذي صـدر عـام‬             ‫والمبـدأ الأخلاقـي – والـذي يمكـن أن نعتبـره بمثابـة الدعامـة‬
‫‪1762‬؛ حيـث أكـد – فـي الكتـاب الأول – «أن البشـر‬                    ‫الأساسـية لـكل سـلوك أخلاقـي – هـو «الإ اردة الخيـرة»‪ ،‬أي‬
‫فـي حالـة الطبيعـة لـم يكـن بينهـم أي علاقـات أخلاقيـة‬              ‫«الشـيء الوحيـد الـذي يمكـن عـُّده خيـًار علـى الإطـاق»(‪)49‬‬
‫كائًنـا مـا كان نوعهـا‪ ،‬ولا أي واجبـات جـرى عليهـا العـرف‪،‬‬          ‫إن مـا يجعـل الإ اردة خيـرة ليـس أعمالهـا وألـوان نجاحهـا‪،‬‬
‫وليـس ممكًنـا أن يكونـوا أخيـاًار أو أشـ ارًار‪ ،‬ولـم تكـن لهـم‬      ‫ولا اسـتعدادها لبلـوغ هـذا الغـرض أو ذاك؛ وإنمـا هـو النيـة‬
‫فضائـل ولا رذائـل»‪ )53(.‬وقـد أرى أن «تومـاس هوبـز»‬                  ‫الطيبـة التـي لا يعادلهـا أي خيـر مـن الخيـ ارت فـي هـذا‬
‫‪ )1558:1679( Hobbes‬أخطـأ عندمـا ذهـب إلـى أن‬                        ‫العالـم‪ .‬وتتمثـل الإ اردة الخيـرة فـي إ اردة العمـل بمقتضـى‬
‫الإنسـان شـرير بطبعـه‪ ،‬مـا دام ليـس لديـه أي معنـى عـن‬
‫مفهـوم «الخيريـة»؛ وأنـه متصـف بالرذيلـة لأنـه لا يعـرف‬                   ‫مبـدأ «الواجـب» الـذي يقـوم علـى احتـ ارم القانـون‪.‬‬
‫الفضيلـة(‪ )54‬والحـق فـي نظـر «روسـو» أن الإنسـان – فـي‬
‫حالـة الطبيعـة – كان هانًئـا سـعيًدا‪ ،‬وكانـت حاجاتـه قليلـة‬         ‫ومـن فكـرة «الواجـب» هـذه يسـتنبط «كانـط» مـا يسـميه‬
‫محـدودة وإرضـاؤه سـهلاً يسـيًار‪ ،‬وكان كل إنسـان مسـاوًيا‬            ‫مصـاد ارت العقـل العملـي (الحريـة‪ ،‬خلـود النفـس‪ ،‬وجـود‬
‫الآخـر‪ .‬وأول يقظـة للحـس الأخلاقـي إنمـا ظهـرت بتأثيـر‬              ‫الله)‪ ،‬إنهـا مصـاد ارت لأنهـا لا تقبـل البرهنـة العقليـة وإنمـا‬
‫عاطفـة فطريـة لـدى الإنسـان هـي عاطفـة الشـفقة والرحمـة‪،‬‬            ‫هـي موضوعـات للاعتقـاد فحسـب‪ ،‬أي للإيمـان غيـر‬
‫ولذلـك نـ اره يقـول‪« :‬إن الشـفقة ليسـت سـوى شـعور يجعلنـا‬           ‫العقلـي‪ .‬وفـى كتابـه «نقـد العقـل العملـي» يحـاول تحليـل‬
‫فـي مـكان مـن يتعـذب‪ ...‬هـذا الشـعور سـيكون أكثـر فعاليـة‬           ‫مفهـوم «الخيـر» فـي ضـوء نظريتـه الأخلاقيـة العامـة فـي‬
‫كلما ازداد الطابع الوجداني الحميم»(‪ )55‬وكان تأثير التفاوت‬           ‫القانـون الأخلاقـي‪ ،‬حيـث يـرى أن العقـل يحـاول أن يرقـى‬
‫بيـن البشـر معدوًمـا‪ ،‬لكـن عندمـا نشـأت المجتمعـات – عـن‬            ‫إلـى فكـرة الحاصـل المطلـق أو المجمـوع الكلـى لهدفـه‬
‫طريـق العقـد الاجتماعـي – صـار الإنسـان الخِّيـر بالطبـع‬            ‫الأعلـى‪ ،‬ويسـمى هـذه الفكـرة باسـم «الخيـر الأسـمى»‪)50(.‬‬
‫شـريًار‪ ،‬وخطـا خطـوة جديـدة نحـو التفـاوت بتنظيـم حياتـه‬            ‫والمقصـود بهـذا الاصطـاح معنـى الخيـر المشـترك بيـن‬
‫الاجتماعيـة‪ )56(.‬وقـد عالـج «روسـو» هـذا الموضـوع أي ًضـا‬           ‫الخيـر الخلقـي (أو الفضيلـة) والخي ارلطبيعـي (مثـل الخيـ ارت‬
‫فـي كتابـه «إميـل أو التربيـة»‪ ،‬حيـث أرى أن الطبيعـة خيـرة‬          ‫المحسوسـة واللذات)‪ )51(.‬والخير الأسـمى هو كمال الإ اردة‬
‫وليـس لنـا أن نقاومهـا أو نعارضهـا فـي تقدمهـا الفطـري‪.‬‬             ‫مـن جهـة‪ ،‬وكمـال اللـذة مـن جهـة أخـرى‪ ،‬أي أن هـذا الخيـر‬
‫معنى ذلك‪ ،‬أن الإنسان يولد خَّيًار خال ًصا من الشرور‪ ،‬ولا‬            ‫يوحـد فـي ذاتـه بيـن الإ اردة الخالصـة والخيـ ارت المحسوسـة؛‬
‫يحولـه عـن خيـره إلا الإنسـان الـذي يعيـش معـه والبيئـة التـي‬       ‫فيجمـع بذلـك بيـن الفضيلـة والسـعادة؛ هـذه العلاقـة هـي‬
‫تحتضنـه‪ ،‬أي المجتمـع والحضـارة والنظـم الاجتماعيـة‪)57(.‬‬             ‫التـي تضفـي علـى مفهـوم الأخـاق طاب ًعـا عقلًّيـا مـن الوحـدة‬
                                                                    ‫والكمـال‪ .‬لكـن لا بـد مـن وجـود خالـق عاقـل للطبيعـة يكـون‬
‫أما «آدم سميث» ‪)58(1723:1790( Adam Smith‬‬                            ‫هـو علـة الارتبـاط بيـن الفضيلـة والسـعادة‪ ،‬هـذا الموجـود‬

                                                                                                                 ‫هـو الله‪.‬‬

                                                                ‫‪55‬‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60