Page 52 - تنوير 4-8
        P. 52
     لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا  -المجلس الأعلى للثقافة
«فالإنسان السعيد هو ذاك الذي يسير دائ ًما على مقتضى             أمـا «أرسـطو»  )322B.C : 384( Aristotleفقـد
                                الفضيلـة الكاملـة»)29(.         كتـب كثيـًار مـن الكتـب فـي فلسـفة الأخـاق ،إلا أن كتابـه
                                                                «الأخـاق إلـى نيقوماخـوس»(ُ )26ي َعـُّد مـن أهـم هـذه الكتـب،
اتفقـت «الأبيقوريـة» و»الرواقيـة» فـي تصـور الغايـة             فهـو غنـى بتحليلاتـه للمعانـي الأخلاقيـة والنفسـية التـي
القصـوى مـن حيـاة الإنسـان ،وإن اختلفـت أسـاليب كل              تنظـر إلـى ضـروب النشـاط البشـرى علـى أنهـا سلسـلة
منهمـا لبلـوغ هـذه الغايـة ،أي لبلـوغ السـعادة التـي تحقـق      متدرجـة مـن مظاهـر «الخيـر» أو «القيـم» .لقـد كان
طمأنينـة النفـس وهـدوء البـال .فالتمسـت «الأبيقوريـة» هـذه      «أرسـطو» يـرى – علـى خـاف «أفلاطـون» – أن المجـال
السـعادة نفسـها فـي حيـاة ال ارحـة والخلـو مـن المخـاوف         الواقعـي الوحيـد هـو العالـم الطبيعـي المنظـور ،فالواقـع
والانفعـالات ،وتوخـت الابتعـاد عـن الآلام ورحبـت بالتمتـع       والمثـال الأعلـى ،والطبيعـي والروحـي ،همـا حقيقـة واحـدة
بالملـذات؛ وأقامـت موقفهـا الأخلاقـي علـى أسـاس مبـدأ           لا تنفصـم .مثـل هـذا الرفـض للثنائيـة يعنـي أن الحيـاة
«اللـذة» الـذي هـو «الخيـر الأسـمى» والألـم الـذي هـو           الخيـرة ينبغـي أن تُوصـف علـى أسـاس عالمنـا هـذا ،دون
«الشـر الأقصـى» ،وليسـت الفضيلـة قيمـة فـي ذاتهـا ولكـن         أيـة إشـارة إلـى المجـال العلـوي أو المجـال فـوق الطبيعـي.
قيمتهـا تسـتمد مـن اللـذات التـي تقتـرن بهـا .وهـذا مـا قالـه   وعلـى ذلـك فـا بـد لكشـف طبيعـة الحيـاة الخيـرة أو صـورة
«أبيقور»  – )270B.C :341( Epicurusمتأث اًر بسلفه                «الخيـر الأسـمى» مـن د ارسـة طبيعـة الإنسـان ،معنـى ذلـك
«أرسـتبوس» القورينائـى)355B.C :435( Aristippus                  أن الأخـاق إنمـا تهـدف إلـى البحـث فـي أفعـال الإنسـان
( – ) 30حيـث أرى أن كل لـذة فضيلـة ،وكل فضيلـة إنمـا            مـن حيـث هـو إنسـان ،وتهتـم بتقريـر مـا ينبغـي عملـه ومـا
                                                                ينبغـي تجنبـه لتنظيـم حيـاة الموجـود البشـرى .يقـول« :كل
                                   مصدرهـا اللـذة)31(.          الفنـون ،وكل الأبحـاث العقليـة المرتبـة ،وجميـع أفعالنـا،
                                                                وجميـع مقاصدنـا الأخلاقيـة يظهـر أن غرضهـا شـيء مـن
أمـا «الرواقيـة» فقـد توصلـت إلـى أن مفهـوم السـعادة            الخيـر نرغـب فـي بلوغـه ...إنـه موضـوع جميـع آمالنـا»)27(.
يعمـل علـى قمـع الأهـواء ووأد الشـهوات ومحاربـة اللـذات
والإشـادة بحيـاة الزهـد والحرمـان ،تحقيًقـا للسـعادة السـلبية   بحـث «أرسـطو» عـن غايـة الحيـاة ،فـ أرى أن كل
(وهـي تعنـي البعـد عـن كل ألـم) التـي كانـت سـمة العصـر         موجـود بشـرى لا بـد أن يهـدف إلـى تحقيـق خيـر مـا ،ولكـن
كلـه )32(.فالرواقـي كان يـرى أن الحيـاة الخيـرة – التـي         لمـا كانـت الغايـات والخيـ ارت كثيـرة ومتنوعـة ،أصبـح مـن
ينبغـي لـكل حكيـم أن يسـعى إلـى أن يحياهـا – هـي                الضـروري البحـث عـن «الخيـر الأسـمى» الـذي هـو غايـة
تلـك التـي يتحـدد بهـا واجـب الإنسـان علـى أسـاس قانـون         فـي ذاتـه ،دون أن يكـون وسـيلة لغايـة أبعـد؛ هـذا «الخيـر»
الطبيعـة أو النظـام العقلـي للكـون ،هـذا القانـون يحـدد لـكل    الـذي تسـتهدفه جميـع الأشـياء هـو «السـعادة» .يقـول« :مـا
فـرد مكانـه فـي نظـام الأشـياء؛ ويقـرر الواجبـات والالت ازمـات  دامـت كل معرفـة وكل تصميـم ُيقصـد بـه – بالضـرورة –
التـي تتمشـى مـع هـذا المركـز المحـدد .ومـن هنـا كان قـوام      خيـر مـن نـوع مـا ،فلنوضـح مـا هـو الخيـر الـذي يمكننـا أن
الحكمـة – عنـد الرواقييـن – هـو الاعتـ ارف بهـذه المكانـة،      نتتبعـه فـي جميـع أعمـال حياتنـا ...إنـه السـعادة ،فطيـب
وبمـا يرتبـط بهـا مـن واجبـات؛ وبالتالـي العيـش فـي وفـاق       العيـش وحسـن الفعـل مـ اردف لكـون الإنسـان سـعيًدا».
                                                                ( )28والواقـع أن تحليـل «أرسـطو» للسـعادة يشـكل جوهـر
                  واع مـع الطبيعـة )33(،أي مـع العقـل .         نظريتـه فـي الأخـاق ،حيـث يربـط بيـن السـعادة والفضيلـة،
وأصبـح قـوام الحيـاة الأخلاقيـة مع»المسـيحية» هـو
طاعـة القانـون ،الـذي يختلـف كل الاختـاف عـن القانـون
                                                                52
     	
