Page 53 - تنوير 4-8
        P. 53
     لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا  -المجلس الأعلى للثقافة
الـذي اعترفـت بـه «الرواقيـة»؛ هـذا القانـون الجديـد ليـس عليـه أن يلجـأ إلـى نفسـه؛ لأن إصلاحـه لنفسـه لا يأتـي إلا
قانوًنـا يكتشـفه العقـل البشـرى ،وإنمـا جـاء مـن الوحـي عـن طريـق ذاتـه ،ومجاهـدة النفـس ومحاربـة أهوائهـا صـ ارع
الإلهي الذي لا نملك حياله إلا أن نطبقه؛ لأنه تعبير عن باطنـي لا تفيـد فيـه سـلطة خارجيـة؛ والإيمـان بـالله وبيسـوع
الإ اردة الإلهيـة؛ ومـا دمنـا نعتقـد أن القـوة التـي تسـهر علـى المسـيح هـو وحـده الـذي يضمـن للنفـس الطمأنينـة والأمـان.
وهكـذا لا نجـد فـي عصـر النهضـة مذهًبـا أخلاقًّيـا يعبـر           تنفيـذ هـذا القانـون إ اردة إلهيـة خيـرة ،فسـوف يكـون ذلـك
عـن معنـى «الخيـر» ،فمثـاً «ماكيافللـى» Machiavelli                قانوًنـا خيـًار يعبـر عـن حكمـة عليـا .ولهـذا أرى «القديـس
( )1469:1527كان ميدان بحثه يقع خارج نطاق الخير                     أوغسـطين»  – )354:430( St.Augustineفـي كتابـه
والشـر ،شـأنه فـي ذلـك شـأن عالـم الفيزيـاء النوويـة ،والحجـة      «الاعت ارفـات»( – )34أن كل المكاسـب العقليـة لـم تسـتطع
التـي كان يعرضهـا هـي أنـك إذا أردت اكتسـاب السـلطة،               أن تُشـبع نهمـه الروحـي ،مـا دام «الخيـر الأسـمى» الـذي
فعليـك أن تكـون قاسـيا بـا رحمـة؛ فمـن واجـب الأميـر               يمكـن أن يكفـل لنـا السـعادة ،إنمـا يتوقـف علـى توجيـه
«أن يفـرق بقـوة وحـزم بيـن المبـادئ الأخلاقيـة ومطالـب             الإ اردة توجي ًهـا صحي ًحـا نحـو المحبـة الإلهيـة )35(.ويؤكـد
الحكـم ،أي بيـن ضميـره الخـاص والصالـح العـام؛ وأن                 «القديـس تومـا الأكوينـى» :1225( T.Aquinas
يكـون مسـتعًّدا لأن يعمـل مـن أجـل الدولـة مـا يسـمى شـًّار         )1274أن «الخيـر الأسـمى» ليـس شـيئاً آخـر سـوى الله
                                                                   نفسـه؛ لأنـه الخيـر الـذي تكـون جميـع الخيـ ارت الأخـرى
               فـي علاقـة الأفـ ارد بعضهـم ببعـض»)40(.             فـي حيـاة الإنسـان تابعـة لـه ومندرجـة تحتـه .أمـا «ابـن
                                                                   مسـكويه»( )932:1030( )36فالخيـر عنـده «علـم مطلـق
إن الفضـل الأكب ارلـذي أحدثتـه النهضـة فـي توجيـه                  هـو عيـن الموجـود الأعظـم ،وهـو مقصـد الأخيـار جميعـاً».
التفكيـر الأخلاقـي الحديـث ،كان فـي إحيـاء النزعـة العقليـة        لكـن لـكل إنسـان خيـره الخـاص أو سـعادته التـي تختلـف
والشـغف بإحيـاء التـ ارث اليونانـي والرومانـي ،والانصـ ارف         باختـاف قاصديهـا ،وهـى تتحقـق بتحصيـل السـعادة
عـن لاهـوت العصـور الوسـطى .لقـد وجهـت الأذهـان إلـى
البحث عن أسـس فلسـفية للأخلاق ،وإقامة قوانينها مسـتقلة                                            الروحيـة لا البدنيـة)37(.
عـن اللاهـوت ،وسـاعدتها فـي ذلـك حركـة الإصـاح الدينـي
التـي هـزت سـلطة الكنيسـة الكاثوليكيـة؛ ونـادت إلـى التحـرر        لكـن يرفـض «جيوردانـو برونـو» G. Bruno
مـن السـلطة العلميـة التـي مثلهـا «أرسـطو» .وفـى غمـرة             ( – )1548:1600فـي عصـر النهضـة الأوروبيـة(– )38
هـذه التيـا ارت نبتـت فلسـفة أخلاقيـة جديـدة – إبـان القـرن        النظر إلى الأخلاق المسـيحية بوصفها سـبيلاً إلى السـعادة
السـابع عشـر – هيـأت الطريـق لنضـج اتجاهـات متعـددة                الإنسـانية ،و أرى أننـا نجـد سـعادتنا الحقيقيـة فـي تأمـل
                                                                   الكـون الـذي هـو (كل إلهـي واحـد) وحـدة إلهيـة عليـا .يقـول:
                              فـي الفكـر الأخلاقـي)41(.            «مـن يجـد الوحـدة يكـون قـد وجـد المفتـاح الـذي يسـتحيل
                                                                   بدونـه التأمـل الحقيقـي للطبيعـة ...هـذه الوحـدة أبديـة بـا
                           الخير وأخلاق العقل
تميـز القـرن السـابع عشـر بميـزة مهمـة ،وهـي عنايـة                نهايـة وهـي تشـمل كل شـيء ،إنهـا السـعادة الحقيقيـة)39(.
وقـد اتجـه الفكـر الجديـد فـي هـذا العصـر ،إلـى النفـور مـن المفكريـن بمسـالة المنهـج أو الطريقـة الواجـب اتباعهـا
حيـاة الزهـد والتقشـف والحرمـان ،واعتقـد أن العمـل ال َخيـر فـي البحـوث العقليـة .وقـد أرى «ديـكارت»Descartes
فـي العالـم الأرضـي هـو وحـده الـذي يحقـق مطالـب الحيـاة ( )1596:1650أن البحـث فـي المنهـج هـو أهـم
الأخلاقيـة .ومـن أ ارد أن ُيخضـع سـلوكه لمبـادئ الأخـاق المشـكلات وأولاهـا بالعنايـة فـي مهمـة الفيلسـوف ،حيـث
                                                               53
     	
