Page 48 - تنوير 4-8
P. 48

‫لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا ‪ -‬المجلس الأعلى للثقافة‬

‫النفـس أي طيبتهـا‪ ،‬و»خيريـة» العلـم أي منفعتـه‪ .‬ولا شـك‬       ‫لأن علـم الأخـاق يعنـى بـ «الخيـر» حيـن ُيسـتخدم غايـة‬
‫أن «الخيـر» بمفهومـه العـام يعـادل مفهـوم «القيمـة» أي‬        ‫فـي ذاتـه لا وسـيلة لتحقيـق غايـة‪ ،‬وهـذا هـو «الخيـر‬
‫يهتـم بأهـداف السـلوك أو غاياتـه المثلـى‪ ،‬ويكشـف مـا‬          ‫الأسـمى»‪ « ”Supreme Good‬غايـة الإنسـان القصـوى‬

‫وقمـة الخيـ ارت والغايـة العليـا للأخـاق‪ )2(.‬كمـا تـدل الكلمـة ينبغي السعي إليه‪ ،‬أي ما هو «خير» أو ما له «قيمة»‪.‬‬
‫علـى البحـث فـي مقومـات «الخيـر» وشـروطه عنـد الإنسـان ويذهب» ارلـف بارتـن بيـري» ‪)5()1957 : 1876( Perry‬‬

‫بوصفـه فـرًدا‪ ،‬ويتخـذ هـذا البحـث – بوجـه خـاص – صـورة – بهـذا المعنـى – إلـى القـول‪« :‬لدينـا معنيـان لكلمـة خيـر‪،‬‬
‫اختيـار للطبيعـة العامـة والأنـواع الخاصـة للفضيلة والسـعادة فهـي فـي معناهـا العـام تعنـي الطابـع الـذي يتخـذه أي شـيء‬

‫(أو اللـذة)‪ ،‬والوسـائل المؤديـة إلـى تحقيـق هاتيـن الغايتيـن؛ فـي كونـه موضو ًعـا لاهتمـام إيجابـي‪ ،‬وعلـى ذلـك فـكل‬
‫بمعنـى اختبـار مختلـف أنـواع اللـذة والألـم ومعرفـة درجاتهمـا مـا يرغـب فيـه الإنسـان أو يحبـه أو يريـده هـو إذن خيـر؛‬

‫المتباينـة‪ ،‬وكذلـك تحديـد طبيعـة الفضائـل المختلفـة أو أمـا مفهومهـا الخـاص‪ ،‬فـإن صفـة الخيـر الأخلاقـي تتجـه‬

‫نحـو الاهتمامـات المنظمـة تنظي ًمـا يتوافـق مـع اهتمامـات‬     ‫صفـات الخلـق الخيـرة وأضدادهـا‪ ،‬ومعرفـة العلاقـات‬
‫ومصالـح الآخريـن»‪ .‬ويقـول فـي موضـع آخـر‪« :‬الحيـاة‬            ‫المتبادلـة بينهـا‪ )3(.‬كمـا تعنـي ‪ -‬أي ًضـا ‪ -‬كل فـن وكل‬
‫الخيـرة مـن الناحيـة الأخلاقيـة يمكـن أن توصـف بأنهـا شـرط‬    ‫فحـص عقلـي‪ ،‬وكل فعـل واختيـار يرمـى إلـى خيـر مـا‪ ،‬أي‬
‫السـعادة‪ ،‬وهـو شـرط تكـون فيـه كل المصالـح إيجابيـة‪،‬‬          ‫أن خيـر الإنسـان بوصفـه موضـوع اختيـار أو مقصـد مبعثـه‬
‫وذلـك بزيـادة الأعضـاء وتعاونهـم‪ .‬ويلقـى هـذا الوصـف‬          ‫التفكيـر؛ وهـو مختلـف عـن الدوافـع التـي لا تعـدو أن تكـون‬

‫ضـوًءا علـى المطلـب التقليـدي للسـعادة الـذي هـو الهـدف‬             ‫حسـية ووجدانيـة‪.‬‬

‫ومـن هنـا كان البحـث فـي «الخيـر» والمقاييـس التـي الأخلاقـي الأسـمى»‪)6(.‬‬

‫وهكذا فإن «الخير بالمعنى العام‪ )7(،‬والذي يمثل القيمة‬          ‫تُضطلـع فـي التمييـز بينـه وبيـن الشـر مكانـه الملحـوظ‬
‫العليـا فـي تنظيـم سـائر القيـم‪ ،‬ينقلنـا إلـى مفهـوم «الخيـر‬  ‫فـي التفكيـر البشـرى منـذ أقـدم العصـور‪ ،‬واتسـعت شـقة‬
‫الأسـمى»– كمـا سـبق القـول – فمعظـم الفلاسـفة يـرون‬
‫أن للعالـم خيـًار أو غايـة قصـوى؛ يـدرك فيـه خيـر الجنـس‬      ‫الخـاف بيـن الباحثيـن فـي تصورهـم لطبيعـة «الخيريـة»‬
‫البشـرى علـى أنـه هـو نفسـه «الخيـر العـام» أو «المطلـق»‪،‬‬
                                                              ‫«‪ »Goodness‬ومقاييسـها‪ )4(،‬فقـد أرى البعـض أن‬

                                                              ‫«الخيريـة» تطلـق علـى مـا يتصـف بـه كل موجـود مـن‬

‫الكمـال‪ ،‬فـكل كائـن ينـزع بطبعـه إلـى كمالـه الـذي هـو أو متضمـن فيـه أو وثيـق الاتصـال بـه‪ .‬و»الخيـر‬
‫خيريـة هويتـه‪ .‬كمـا تعنـي «الخيريـة» صفـة للشـخص الأسـمى» يمثـل القانـون الإلهـي‪ ،‬كمـا أرى «اسـبينو از»‬

‫الإنسـاني أو صفـة الشـيء الخارجـي‪ ،‬فـإذا أطلقـت علـى ‪ ،)1677 : 1632( Spinoza‬فالنـاس عـادة والشـ ارئع‬
‫الإنسـان دلـت علـى مـن يحـب «الخيـر» ويفعلـه‪ ،‬أو علـى والأديان يهتمون بـ»الخير الأسمى» يقول‪« :‬أعني بالقانون‬

‫مـن يشـعر بـآلام الآخريـن ويدفـع الأذى عنهـم؛ ويرغـب فـي الإنسـاني قاعدة للحياة مهمتها الوحيدة هي المحافظة على‬
‫تحقيق سـعادتهم‪ .‬وإذا أطلقت على الشـيء الخارجي دلت سـامة الحيـاة والدولـة‪ ،‬أمـا القانـون الإلهـي فأعنـي بـه قاعـدة‬

‫علـى مـا يتصـف بـه ذلـك الشـيء مـن الكمـال الخـاص بـه‪ ،‬لا تهـدف إلا للخيـر الأقصـى؛ أي إلـى المعرفـة الحقـة وإلـى‬
‫أو علـى مـا يجـده الإنسـان مـن اللـذة والمنفعـة فـي الحصـول حـب الله‪ .....‬فحـب الله هـو سـعادة الإنسـان القصـوى‬

‫عليـه‪ .‬و»الخيريـة» بهـذا المعنـى م اردفـة للصـاح والطيبـة ونعيمـه‪ ،‬والغايـة الأخيـرة لجميـع الأفعـال الإنسـانية»‪)8(.‬‬

‫والمنفعة‪ ،‬كقولنا‪« :‬خيرية» الفعل أي صلاحه‪ ،‬و»خيرية» و«الخيـر الأسـمى» يفتـرض تنظي ًمـا تصاعدًّيـا فـي نظـام‬

                                          ‫‪48‬‬
   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52   53