Page 171 - merit 36- dec 2021
P. 171

‫‪169‬‬          ‫الملف الثقـافي‬

‫مارتن هيدجر‬  ‫الحسين بن منصور الحلاج‬  ‫أبو نواس‬                        ‫ولا المحاكاة‪ ،‬ولا الترجمة‬
                                                                     ‫اللغوية لجمال الوجود أو‬
‫هذه المحاولات الشعرية مرتين‪،‬‬     ‫مردها الرغبة التي لا تنطفيء‬       ‫دمامته‪ .‬فاللغة ليست جها ًزا‬
 ‫منهما النشرة الثانية التي بين‬    ‫وإن خمدت نارها‪ .‬هذا الحال‬       ‫مستق ًّل عن ذات الشاعر‪ ،‬ولا‬
‫أيدينا الصادرة عن دار ميريت‬      ‫هو حال السالك أب ًدا‪ ،‬لا تدري‬  ‫عن وعيه‪ ،‬ولا عن الكائنات التي‬
                                ‫متى يصحو ولا متى ينام؟ ولا‬      ‫عشقها وهام بها فر ًحا وحز ًنا‪،‬‬
     ‫بالقاهرة عام ‪ .2012‬وقد‬       ‫متى يهدأ ولا متى يثور؟ ولا‬       ‫والتي اكتوى بنار الحرمان‬
    ‫تضمنت ستة عناوين هي‪:‬‬           ‫متى يشبع ولا متى يجوع؟‬          ‫منها‪ ،‬كما اكتوى بنار البعد‬
                                  ‫ولا متى يضحى ويعرى ولا‬            ‫عنها أو القرب منها‪ .‬فاللغة‬
               ‫‪ -1‬تفاصيل‪.‬‬         ‫متى يتفيأ ويستتر؟ قد يكون‬       ‫رفيقة الدرب‪ ،‬ورفيقة السعي‬
   ‫‪ -2‬مطر خفيف في الخارج‪.‬‬         ‫رغيف الخبز عنده مثل كأس‬          ‫والطرق على أبواب المجهول‬
                                ‫من الخمر‪ ،‬كلاهما مشبع ولذيذ‬           ‫والمعلوم م ًعا‪ .‬وهي بيت‬
           ‫‪ -3‬الشتاء القادم‪.‬‬                                       ‫الوجود‪ ،‬كما وصفها مارتن‬
             ‫‪ -4‬لا أحد هنا‪.‬‬                    ‫إذا حل وقته‪.‬‬      ‫هيدجر وهي صورة الكائنات‪،‬‬
                                  ‫ترجم داود هذا الحال شع ًرا‬     ‫وهي الجوهر والعرض في آن‬
       ‫‪ -5‬انفجارات إضافية‪.‬‬       ‫في عناوين مثل « كن شجا ًعا»‬       ‫واحد‪ .‬وإذا كانت الإبانة من‬
             ‫‪ -6‬حالة مشي‪.‬‬                                        ‫أهم وظائف اللغة‪ ،‬فإن اللغة لا‬
                                    ‫و»أنت في القاهرة» و»ست‬        ‫تظهر بوجهها الحقيقي إلا في‬
       ‫سبقها إهداء إلى» ليلى‬        ‫محاولات»‪ .‬ويصعب علينا‬         ‫الشعر‪ ،‬لأن الشعر لا يسمي‬
                  ‫وحسن»‪.‬‬            ‫في هذا الحيز النظر في هذه‬        ‫الكائنات فقط‪ ،‬بل يجعلها‬
                                    ‫العناوين كلها‪ .‬لذلك نكتفي‬      ‫جز ًءا منا ووجها من وجوه‬
      ‫واللافت في هذا المجموع‬       ‫بالنظر في «ست محاولات»‬         ‫وجودنا المتحقق بها‪ .‬ومن ثم‬
  ‫الشعري أنه ضم بين حناياه‬       ‫للتعرف على ما قدمناه في متن‬     ‫فإن هشاشة الوجود لون من‬
   ‫هذا الكم الشعري الذي كان‬        ‫هذا المقال عن «كتابة الشعر‬    ‫ألوان علاقتنا به‪ ،‬تحققها اللغة‬
 ‫ممكنًا أن ينشر كل عنوان منه‬     ‫وهشاشة الوجود»‪ .‬نشر داود‬        ‫ويحققها هنا الشعر‪ .‬فالوجود‬
 ‫مستق ًّل وأن يضيف إلى إنتاج‬                                    ‫أصم غفل إن لم يكن في أشكال‬
                                                                    ‫لغوية مع ما فيه من نظام‬
    ‫داود رصي ًدا من العناوين‬                                       ‫وتراتب وتفاعل وصيرورة‪.‬‬
    ‫الشعرية‪ ،‬ولكن النشر على‬
  ‫هذه الصورة ‪-‬ضم الكائنات‬                                               ‫‪-2-‬‬

                                                                   ‫وهشاشة الوجود عند داود‬
                                                                   ‫ليست وص ًفا سلبيًّا‪ ،‬ولكنها‬
                                                                ‫وصف لحال داود مع الكائنات‬

                                                                      ‫التي لا تكف عن التحول‬
                                                                ‫والتبدل والتجدد والفناء والري‬
                                                                ‫والظمأ والشبع والجوع والموت‬
                                                                ‫والميلاد‪ .‬ولذلك تجد داود أشبه‬

                                                                  ‫بمن يعدو وراء السراب الذي‬
                                                                    ‫يتشكل بأشكل لا تحصى‪،‬‬
   166   167   168   169   170   171   172   173   174   175   176