Page 176 - merit 36- dec 2021
P. 176

‫العـدد ‪36‬‬                              ‫‪174‬‬

                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬                             ‫والسكارى‪ ،‬والوقت»‪.‬‬
                                                                        ‫فما الذي استدعى كل هذه‬
    ‫المصرية العامة للكتاب)‪،‬‬              ‫الأكبر منه في لعبة اللغة‬        ‫الألفاظ في قصيدة واحدة‬
    ‫وتقع قصيدة صلاح عبد‬              ‫التي أسرتهم زمنًا‪ ،‬منطلقين‬
  ‫الصبور في ست مقاطع كل‬                                                   ‫كتبها الشاعر مبك ًرا؟ إن‬
 ‫مقطع له عنوان‪ ،‬أما قصيدة‬               ‫من أرضية أدونيسية لم‬          ‫قصيدة إلى رجل أحبه‪ ،‬كتبت‬
 ‫إبراهيم داوود فتقع في اثني‬          ‫ينكروها‪ ،‬ولا هي خفيت على‬
 ‫عشر مقط ًعا‪ ،‬مرقمة بأرقام‬                                               ‫عن الشاعر محمد عفيفي‬
                                              ‫الدارسين والنقاد‪.‬‬          ‫مطر‪ ،‬وإن لم يذكر اسمه‬
       ‫بد ًل من العناوين(‪.)13‬‬             ‫لكنه لم يكن لعبًا لغو ًّيا‬     ‫في القصيدة‪ ،‬و مطر مثل‬
  ‫الصوت في القصيدة يحكي‬                ‫مغو ًيا‪ .‬إن صورة الشاعر‬           ‫إبراهيم داوود‪ ،‬شاعر من‬
‫عن طفل‪ ،‬هذا الطفل مشغول‬                  ‫الصوفي‪ ،‬في قصيدة إلى‬          ‫الفلاحين من إقليم المنوفية‪،‬‬
                                     ‫رجل أحبه‪ ،‬تنبع من مفهوم‬           ‫هو شاعر صبور‪ ،‬لا يعيش‬
                     ‫البال‪:‬‬            ‫ملتبس ومتعدد للتصوف‪،‬‬             ‫في برج عاجي‪ ،‬ومطر لغته‬
  ‫طفل تع ّود أن يرى اللون‪/‬‬           ‫فلم يعد أمر الكلمات المفردة‬
                                    ‫والمعجم الصوفي‪ ،‬يشغلنا عن‬               ‫متأثرة بلغة الصوفية‪،‬‬
                    ‫المسافة‬           ‫أمر «الرؤية» وعمق الفكرة‬              ‫مخلوطة بحياة الفلاح‬
     ‫أن يرى الحز َن‪ /‬الغناء‬                                               ‫وتاريخ الشقاء المصري‬
                                                      ‫الصوفية‪.‬‬         ‫الأصيل‪ ،‬وقد صنع الشاعر‬
             ‫وأن يرى ر ّبه‪.‬‬                                           ‫هنا محاكاة للغة الرجل الذي‬
‫الراوي المختبئ في القصيدة‪،‬‬             ‫المُ َغ ّني الحزين‬              ‫يحبه‪ ،‬تشبه ما كان يصنعه‬
‫يحدثنا عن الغناء الذي يشغل‬                                            ‫شعراء السبعينيات‪ ،‬وخاصة‬
  ‫الشاعر‪ ،‬ويشغل الطفل من‬               ‫في ديوان «تفاصيل» كتب‬            ‫في تتبعهم لخطى أدونيس‪،‬‬
                                        ‫إبراهيم داود ن ًّصا طوي ًل‬       ‫لكن إبراهيم داوود جعل‬
   ‫قبله‪ ،‬هو غناء صوفي‪ ،‬فيه‬          ‫بعنوان «الغيوم تم ُّر من هنا»‬     ‫شاعره الذي يحبه متصو ًفا‪،‬‬
  ‫أهل الكرامات‪ ،‬وفيه تط ّو ٌح‬         ‫(لوحات)‪ ،‬هذا النص واقع‬           ‫وتصوفه ليس استغرا ًقا في‬
 ‫و َض ْر ٌب بالدفوف‪ ،‬لكن أهل‬             ‫في أسر عفيفي مطر من‬          ‫لغة سريالية‪ ،‬وإن لجأ أحيا ًنا‬
  ‫الكرامات هنا هم فلاحون‪،‬‬           ‫ناحية‪ ،‬وهي من ناحية أخرى‬           ‫للون من اللعب اللغوي‪ ،‬كما‬
                                      ‫فهو لم يكن مجرد تقليد أو‬
     ‫والطفل يراقبهم‪ ،‬ويعود‬           ‫محاكاة لشاعر آخر‪ ،‬بل هي‬                            ‫في قوله‪:‬‬
     ‫لتأمل حاله‪ ،‬وهو يرقب‬           ‫قصيدة طويلة لشاعر ناشئ‪،‬‬                            ‫سنختلف‬
  ‫أهل الكرامات وهم يرتلون‬           ‫يستمد صوته من داخل ذاته‪،‬‬                   ‫وندور حول إمامنا‬
    ‫أورادهم تحت وقع أنغام‬              ‫كما يستمده من اختياراته‬                        ‫من أ َّم َنا(‪)10‬‬
    ‫الناي‪ ،‬ويعود الراوي كل‬            ‫في القراءة وفي الحياة‪ ،‬وقد‬                      ‫أو في قوله‪:‬‬
  ‫مرة ليسرد طر ًفا من حياة‬            ‫لفتني أن هذه اللوحات‪ ،‬لم‬            ‫ك ٌّل ي َكلّل عريه بالصحو‬
‫الطفل في ظل قومه الفلاحين‬           ‫تكن متأثرة بلغة عفيفي مطر‬             ‫ك ٌّل يكابد كلّما عبأ َت هذا‬
 ‫المتصوفين‪ ،‬وصوفيتهم هي‬                 ‫وحده‪ ،‬بل هي ذات صلة‬
 ‫حياتهم القاسية‪ ،‬دائ ًما هناك‬        ‫بديوان صلاح عبد الصبور‬                                 ‫الليل‬
‫أغنية تح ّوط على هذا الشقاء‪:‬‬            ‫«تأملات في زمن جريح»‬                 ‫في ُع َل ِب الرصاص(‪)11‬‬
‫ما بين بي ٍت في الفضاء وبيته‬          ‫حيث يبدأ الديوان بقصيدة‬             ‫فالشاعر انشغل باللعب‬
  ‫شم ٌس تر ُّش القم َح سجا ًدا‬        ‫طويلة ذات مقاطع عنوانها‬         ‫بحرف الميم في المقطع الأول‪،‬‬
   ‫وتن ُّز لو َن المتعبين جداو ًل‬      ‫«حكاية المغني الحزين»(‪)12‬‬           ‫ثم عاد وانشغل بحرف‬
     ‫وتقي ُم ُم ْل ًكا بين أغنيتين‬    ‫(وللأسف فإن هذا العنوان‬             ‫الكاف في المقطع الثاني‪،‬‬
      ‫إنه م ّوال الفلاح‪ ،‬أغنية‬          ‫قد سقط من طبعة الهيئة‬             ‫وهو هنا يجاري زملاءه‬
     ‫حزينة ممتدة‪ ،‬ومع ذلك‬
‫فهي شدو وغناء‪ ،‬والقصيدة‬
   ‫فيها اضطراب‪ ،‬قد يفسره‬
   171   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181