Page 177 - merit 36- dec 2021
P. 177

‫‪175‬‬        ‫الملف الثقـافي‬

‫رفعت سلام‬  ‫أدونيس‬                  ‫كولن ولسون‬                      ‫وقوع الشاعر في أسر شعر‬
                                                                      ‫عفيفي مطر ورؤيته‪ ،‬وقد‬
   ‫والمعاناة من الوجود‪ .‬وفي‬        ‫معاني الحزن‪ ،‬ففي «القاهرة‬        ‫يفسره أن الشاعر قد جمع‬
  ‫مقطوعة «امتلاك»(‪ )19‬يكون‬             ‫شتاء»(‪ )17‬يحضر البلبل‪،‬‬          ‫بين رؤية الطفل‪ ،‬ورؤية‬
                                       ‫وتحضر صورة البنت إذ‬
    ‫قرار الأغنية هو الحزن‪،‬‬             ‫تتحسس لعبها الصغيرة‬         ‫أخرى تعلو على رؤية الطفل‬
     ‫وفي المقطوعة التي تليها‬                                      ‫وتتداخل معها‪ ،‬دون أن يقابل‬
 ‫«العالم»(‪ )20‬يكون الغناء هو‬          ‫وتغني‪ ،‬وفي «قبل الكتابة»‬
                                    ‫يرتبط غناء الشاعر بالحزن‬        ‫بينهما أو يوازن‪ .‬لكن الذي‬
                    ‫القرار‪.‬‬        ‫المقيم‪ ،‬إذ يكتب قصيدته‪ ،‬وإذ‬      ‫أود قراءته في القصيدة هو‬
 ‫صوفية إبراهيم داود تشبه‬                                           ‫المزاوجة بين الغناء والحزن‪،‬‬
 ‫صوفية صلاح عبد الصبور‬                                ‫يتساءل‪:‬‬
 ‫ولا تشبه صوفية أدونيس‪،‬‬            ‫كيف تكتب عن صدرها‪ :‬كان‬             ‫الحزن هنا هو بكاء‪ ،‬وهو‬
                                                                    ‫حنين‪ ،‬فالناي يبكي حنينًا‪،‬‬
        ‫في قصيدة «مساءات‬                                 ‫بيتك‬        ‫والطفل يتلقى من المدرس‬
    ‫ثقيلة»(‪ )21‬التصريح بلفظ‬                     ‫وعن وج ِه أم َك‬   ‫معلمه سؤا ًل هو «كيف تطرح‬
‫الحزن لا يقلل من عمق الألم‪:‬‬                     ‫وعن حز ِن أم َك‬       ‫حزننا منَّا؟»‪ ،‬وهو سؤال‬
     ‫سأصافح مع ِك التعاليم‬                      ‫وعن مو ِت أم َك‬
    ‫وأقول كلا ًما جانبيًّا‪ ..‬ل ِك‬  ‫وعن ُتوت ٍة في أقاصي الطفولة‬        ‫يقوم على اللعب اللغوي‪،‬‬
   ‫عن الألم الذي لازمني في‬               ‫وعن رقص ٍة في حقول‬        ‫حيث أن المدرس هو مدرس‬

                   ‫الطريق‬                            ‫الليالي(‪)18‬‬      ‫حساب‪ ،‬فيستخدم ألفاظ‪:‬‬
  ‫الحب مشتعل في الجوانح‪،‬‬                   ‫وفي ختام القصيدة‪،‬‬        ‫الطرح‪ ،‬والجمع‪ ،‬والضرب‪.‬‬
                                       ‫تصل الأغنية إلى قرارها‬
    ‫لكنه لا يثير البسمة على‬            ‫«الصلوا ُت التي لا ُترى»‬        ‫في نص «الغيوم تمر من‬
 ‫الشفاة‪ ،‬إنه مكابدة‪ ،‬ومعاناة‬        ‫هي صلوات في محبة العالم‪،‬‬        ‫هنا» غناء وحزن‪ ،‬و»الحزن‬
                                                                     ‫من أوصاف أهل السلوك»‬
    ‫مصدرها التطلع إلى عالم‬
                                                                        ‫كما يقول القشيري في‬
                                                                    ‫رسالته(‪ .)14‬وأما الغناء فهو‬
                                                                   ‫أصيل في مقامات المتصوفة‪،‬‬

                                                                      ‫إنه «مقام ال َّس َماع» الذي‬
                                                                    ‫شغل من مدوناتهم قد ًرا لا‬
                                                                    ‫يستهان به(‪ .)15‬وأما صلاح‬
                                                                  ‫عبد الصبور‪ ،‬فقد قرن الغناء‬

                                                                      ‫بالحزن في قصيدته التي‬
                                                                     ‫أشرنا إليها‪ ،‬لذلك قلت إن‬
                                                                  ‫هذه القصيدة لا تنفك تذكرنا‬
                                                                  ‫بقصيدة صلاح عبد الصبور‬
                                                                    ‫الذي كان أكثر شاعر يذكر‬
                                                                  ‫الحزن في شعره‪ ،‬وكان بحق‬
                                                                    ‫شاع ًرا حزينًا‪ ،‬ورأى نفسه‬

                                                                              ‫شاع ًرا متأ ّلًا(‪.)16‬‬
                                                                     ‫في ديوان «مطر خفيف في‬
                                                                       ‫الخارج» تمتلئ القصائد‬
                                                                   ‫بمعاني الغناء‪ ،‬مضفورة مع‬
   172   173   174   175   176   177   178   179   180   181   182