Page 179 - merit 36- dec 2021
P. 179

‫هذا المعجم الصوفي أخذ يتسع‬                                     ‫حافظ الشيرازي‬
 ‫ليشمل أي ًضا "الناي‪ ،‬والكأس‪ ،‬والجبل‪،‬‬
‫والبلبل‪ ،‬والزهرة‪ ،‬والرقص"‪ ،‬وهي ألفاظ‬                          ‫هنا؟ إن الضد يظهر حسنه‬
‫تحمل المعاني الصوفية لدى متصوفة‬                                  ‫الضد‪ ،‬لذلك كان كل من‬

   ‫وحدة الوجود‪ ،‬ومتصوفة الفرس‬                                 ‫الواقعيين أي الاشتراكيين‪،‬‬
‫الذاهبين في دروب الرمزية والمعاني‬                              ‫والليبراليين الذين يصفون‬
 ‫الإنسانية ذات الرحابة‪ ،‬إنها الصوفية‬                           ‫أنفسهم بالواقعيين‪ ،‬أولئك‬
‫العالمية التي حملها الشعراء‪ :‬جامي‪،‬‬
                                                                  ‫وهؤلاء‪ ،‬يجادلون حول‬
   ‫وسعدي‪ ،‬وحافظ الشيرازي‪ ،‬وجلال‬                               ‫الإنسان‪ ،‬وإذا كان الإنسان‬
             ‫الدين الرومي‪.‬‬                                   ‫مسحو ًقا‪ ،‬فلا ًحا أو عام ًل في‬
                                                               ‫مقهى‪ ،‬فهو لا يدري شيئًا‬
‫فأصبحت الرومانتيكية مذهبًا‬      ‫‪ ،‬فيختم الشاعر نصه قائ ًل‪:‬‬
   ‫ُمحتق ًرا في عصر الواقعية‪.‬‬               ‫لنكن طبيعيين‬         ‫عن جدل أولئك وهؤلاء‪،‬‬
           ‫كان النقاش حول‬                                     ‫وخصومتهم التي لا تنتهي‪،‬‬
       ‫الأيديولوجيا قد شغل‬             ‫ونحن نغير ملابسنا‬
       ‫المثقفين زمنًا‪ ،‬وشغل‬    ‫لنخلع أسبو ًعا آخر من العمل‬      ‫لكنه لو تعلق بالأمل الذي‬
       ‫الشعراء الذين أنشأوا‬                                     ‫يمنّيه به كل من الفريقين‬
  ‫جماعات شعرية تدافع عن‬               ‫وسنوات من الأحلام‬         ‫المتناحرين‪ ،‬سوف يصبح‬
 ‫مذاهبهم الفنية‪ ،‬والشاعر لم‬             ‫لأن العالم الواقعي‬   ‫رومانتيكيًّا‪ ،‬أي ساذ ًجا حالمًا‪،‬‬

‫يلحق بأي من تلك الجماعات‬              ‫لا يحب الواقعيين(‪)26‬‬              ‫يصدق ما يقال‪.‬‬
  ‫الشعرية‪ ،‬ولا هو لحق بأي‬          ‫عبارة «العالم الواقعي لا‬    ‫هناك خداع‪ ،‬وهناك فشل‪،‬‬
  ‫من الأحزاب السياسية‪ ،‬أو‬          ‫يحب الواقعيين» تنطوي‬      ‫المثقفون لا يستطيعون إقناع‬
    ‫الجماعات الأيديولوجية‪،‬‬     ‫على مفارقة‪ ،‬تذكرنا بالعبارة‬   ‫الفقراء بالنصر المزعوم الذي‬
    ‫في المقهى يحتدم النقاش‪،‬‬     ‫المنسوبة لمؤسس الماركسية‬         ‫أحرزته الجدالات‪ ،‬ويبلغ‬
         ‫فتصوره القصيدة‪:‬‬            ‫كارل ماركس (‪-١٨١٨‬‬
                                 ‫‪ )١٨٨٣‬حين قال «أنا لست‬           ‫الشاعر ذروة السخرية‬
‫وأنا أركض لألحق المقهى قبل‬        ‫ماركسيًّا»(‪ ،)27‬والخلاصة‬       ‫حين يدعو للمذهب الذي‬
                   ‫أن يخلو‬        ‫أن القصيدة ترصد الجدل‬        ‫جاء على أثر الرومانتيكية‪،‬‬
                               ‫الذي يخوضه المثقفون‪ ،‬فكان‬        ‫ثم سحقته الواقعية‪ ،‬وهو‬
 ‫سأص ّدر إحسا ًسا بالامتلاء‬       ‫العنوان «الواقعيون» كأنه‬   ‫المذهب الطبيعي‪Naturalism‬‬
                 ‫وأنا أدخل‬       ‫سؤال عن ماهية الواقعية‪،‬‬
                                ‫وما يقابلها من رومانتيكية‪،‬‬
    ‫لأقن َع نفسي أنني أصب ُت‬
   174   175   176   177   178   179   180   181   182   183   184