Page 182 - merit 36- dec 2021
P. 182

‫العـدد ‪36‬‬                             ‫‪180‬‬

                                  ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬                                           ‫م ًعا»‬
                                                                   ‫الدين الذي رآه الشاعر دينًا‬
     ‫دين الأوصياء‪ ،‬ولا دين‬              ‫شكا منهم من قبل في‬
        ‫المتنطعين المتفيقهين‪.‬‬        ‫قصيدة يوسف إدريس‪-‬‬                ‫شعبيًّا في قصيدة سابقة‪،‬‬
       ‫سيعود الشاعر لميدان‬           ‫هم غير الذين يفتقدهم في‬        ‫هو دين التسامح الحق‪ ،‬هو‬
                                     ‫زمن الطفولة‪ ،‬والمعنى أن‬         ‫دين الحب الذي أشار إليه‬
‫التحرير بعد عدة سنوات‪ ،‬في‬          ‫ما نفتقده ما يزال له رائحة‬     ‫الشيخ الأكبر محيي الدين بن‬
   ‫قصيدة «الوحيد»(‪ )44‬حيث‬                                         ‫عربي‪ ،‬حيث قال في «ترجمان‬
              ‫تغيرت أشياء‪:‬‬              ‫وعطر الأحباب بتعبير‬
    ‫«بعد خروجهم من هناك‬              ‫يحيى حقي‪ ،‬في الفلاحين‪،‬‬                        ‫الأشواق»‪:‬‬
                      ‫تعبوا‬                                            ‫لقد صار قلبي قاب ًل ك َّل‬
     ‫كانوا أصحا َء مبتسمين‬             ‫وفي المدينة أي ًضا‪ ،‬كانوا‬
                                     ‫يحملون معهم حدائق‪ ،‬لا‬                            ‫صور ٍة‬
‫وتشهد أشجا ُر ُهم في الميادين‬     ‫مجرد روائح‪ ،‬المهم أن شمعة‬       ‫فمر ًعى لغزلا ٍن ود ْي ُر ل ُرهبا ِن‬
                 ‫الوحيدون‬          ‫الضوء الخابية تحمل معنًى‬
                                  ‫أعمق‪ ،‬وأشد تأثي ًرا من ضوء‬        ‫وبيت لأوثان وكعبة طائف‬
‫يح ّسون قبل الجميع بالخطر‬           ‫النيون وأضواء النجومية‪.‬‬       ‫وألواح توراة ومصحف قرآ ِن‬
  ‫وتغض ُب ُهم ال ُج َمل الطويلة»‬                                  ‫أدين بدين الحب أنى توجهت‬
 ‫برغم ما في كلمات القصيدة‬         ‫أما قصيدة «من التحرير»(‪)43‬‬      ‫ركائبه فالحب ديني وإيماني‬
                                  ‫فهي قصيدة سياسية‪ُ ،‬كتبت‬         ‫لنا أسوة في بشر هند وأختها‬
‫من وضوح المعنى في إشارته‬           ‫عن ثورة يناير ‪ ،٢٠١١‬لكنها‬
 ‫إلى «الميادين»‪ ،‬فإن القصيدة‬                                              ‫وقيس وليلى‪ ،‬ثم مي‬
                                      ‫فيما وراء المعنى الظاهر‪،‬‬                     ‫وغيلا ِن(‪)41‬‬
   ‫لا تؤرخ لتطور الثورة من‬          ‫تقول بدين الحب‪ ،‬من أجل‬
  ‫حيث هي فعل سياسي‪ ،‬بل‬               ‫المستقبل‪ ،‬والقصيدة ترى‬          ‫إن الشاعر يأمل أن يكون‬
  ‫من حيث هي أفعال يومية‪،‬‬            ‫هذا المستقبل يأتي من هذا‬       ‫دين الحب دينًا للمستقبل‪ ،‬لا‬
‫ترصدها القصيدة على طريقة‬           ‫المكان من مصر حيث «أنت‬           ‫على طريقة المستشرقين‪ ،‬أو‬
 ‫«الماوراء»‪ ،‬فاللغة التي كانت‬                                     ‫مستشاري وزارات الخارجية‬
 ‫تخلصت من شحمها‪ ،‬عادت‬                            ‫في القاهرة»‪:‬‬
  ‫لتصبح ثرثرة‪ ،‬فيها تسود‬                        ‫«أن َت في بيتك‬         ‫في الغرب‪ ،‬الذين يظنون‬
‫«الجمل الطويلة» لكن ما وراء‬                ‫في ملاعب طفولتك‬            ‫أنهم قادرون على تحديد‬
‫هذا كله هو الأهم‪ ،‬إنه الغناء‪:‬‬                  ‫أن َت مع نفسك‬       ‫الدين الذي يناسبنا‪ ،‬بل على‬
  ‫«ولكنهم إذا بدأوا في الغناء‬       ‫ومع الذين سيبدأون الغنا َء‬      ‫الطريقة المصرية‪ ،‬فصوفية‬
                                                                     ‫الماوراء‪ ،‬هي صوفية زمن‬
               ‫ثارت الدنيا»‬                            ‫معك»‬             ‫الفلاحين الذي تصوره‬
 ‫الغناء في شعر إبراهيم داود‬         ‫في القصيدة تحضر‪ ،‬اللغة‪،‬‬            ‫قصيدة «زمن آخر»(‪:)42‬‬
 ‫متعدد المعاني‪ ،‬هو موسيقى‬         ‫والغناء‪ ،‬والحزن‪ ،‬والشهداء‪،‬‬        ‫«لأن البشر الذين جئ ُت من‬
  ‫الكلمات‪ ،‬هو الشعر‪ ،‬هو أم‬           ‫والمناضلون القدامى‪ ،‬لكن‬
‫كلثوم وعبد الوهاب والشيخ‬                                                              ‫صلبهم‬
                                      ‫اللغة سوف تتخلص من‬             ‫كانوا يمشون على أطراف‬
      ‫إمام عيسى‪ ،‬وهو ق ّراء‬       ‫«شحمها»‪ ،‬نحن في فردوس‪،‬‬
    ‫القرآن المصريين خاصة‪،‬‬          ‫هذه النظرة الحالمة لا ت ّدعي‬                     ‫أصابعهم‬
     ‫محمد رفعت ومصطفى‬              ‫التحليل السياسي‪ ،‬ولا تلوذ‬         ‫وهم في طريقهم إلى المقابر‬
                                                                  ‫وكانوا غير معنيّين بالإضاءة‬
        ‫إسماعيل والحصري‬            ‫بأي لون من الأيديولوجيا‪،‬‬         ‫التي أغرقت الذين أ َت َف َّق ُدهم‬
   ‫والمنشاوي‪ ،‬وكل زملائهم‬               ‫فقط هي تدعو إلى دين‬
  ‫وتلاميذهم‪ ،‬وهو هذا الذي‬                                                               ‫الآن»‬
   ‫نعرفه عند الصوفية‪ ،‬أنين‬          ‫مصري‪ ،‬يمكنك أن تسميه‬              ‫فالذين يتف ّقدهم الشاعر‪،‬‬
   ‫وحنين‪ ،‬حنين الناي الذي‬          ‫دين الحب‪ ،‬ويمكنك أن تراه‬         ‫أي يعاينهم في حياته ‪-‬وقد‬
                                  ‫الدين الشعبي‪ ،‬المهم أنه ليس‬
   177   178   179   180   181   182   183   184   185   186   187