Page 187 - merit 36- dec 2021
P. 187

‫‪185‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

     ‫جورج لايكوف‬                 ‫مارك جونسون‬                       ‫تتوالد في فضاءاته خطابات‬
                                                                    ‫عرفانية إدراكية مشحونة‬
   ‫استعارية‪ ،‬إذ تؤسس آلية‬              ‫وسلوكنا وأنشطتنا في‬        ‫بالتصورات‪ ،‬فتسهم في بناء‬
  ‫الاستعارة النشاط اللغوي‪،‬‬             ‫أغلبها استعارية‪ ،‬ومن‬          ‫الخطاب الإنساني برمته‪،‬‬
 ‫فكل قاعدة‪ ،‬أو موضوعة‪ ،‬لا‬            ‫ثم فإن الاستعارة تكون‬       ‫لأنه في ظني خطاب استعاري‬
‫حقة تولد بقصد تحديد الثراء‬         ‫حاضرة بقوة في كل أسيقة‬           ‫بالأساس‪ .‬لأن الاستعارة‬
  ‫الاستعاري‪ ،‬وتنظيمه‪ ،‬وهذا‬        ‫حياتنا اليومية‪ ،‬ومواضعاتنا‬        ‫العرفانية هي «فهم مجال‬
  ‫يعني أن النص في المتصور‬             ‫الاجتماعية والسياسية‪،‬‬
 ‫العرفاني استعارة تصورية‬              ‫والدينية «حيث ارتبطت‬            ‫تصوري واحد في ضوء‬
‫كبرى مسكونة بقصد الدلالة‪،‬‬          ‫الاستعارة بالفكر‪ ،‬وبالبنية‬         ‫مجال تصوري آخر»(‪،)4‬‬
 ‫وهذا القصد تصوري ذهني‬           ‫التصورية‪ ،‬والبنية التصورية‬        ‫فهي عملية ذهنية تقوم على‬
                                     ‫لا ترتبط بالفكر فقط‪ ،‬بل‬       ‫التقريب بين موضوعين أو‬
               ‫بالأساس»(‪.)7‬‬          ‫إنها تتضمن كل الأبعاد‪،‬‬         ‫وضعين‪ ،‬وذلك بالنظر إلى‬
                                     ‫الطبيعية في تجربتنا‪ ،‬بما‬     ‫أحدهما من خلال الآخر»(‪.)5‬‬
‫الخطاب المفهوماتي‪/‬‬                 ‫في ذلك المظاهر الحسية‪ ،‬في‬
‫الاستعاري في المدونة‪:‬‬            ‫تجاربنا مثل اللون‪ ،‬والجوهر‬            ‫تخترق الاستعارة إذن‬
                                   ‫والصوت»(‪ .)6‬ومن ثم فقد‬            ‫أحاديثنا العادية‪ ،‬وحياتنا‬
    ‫«فالنسق التصوري الذي‬         ‫خرجت الاستعارة عن دورها‬
     ‫يسيِّر تفكيرنا وسلوكنا‬      ‫النمطي في بنية النص‪ ،‬وكأنه‬              ‫اليومية‪ ،‬وكأننا نفكر‬
                                    ‫جزء من أجزاء أخرى‪ ،‬إلى‬          ‫بالاستعارة‪ ،‬حيث خرجت‬
   ‫له طبيعة استعارية‪ ،‬تمثل‬        ‫الدخول في منطقة أكثر عم ًقا‬    ‫الاستعارة من حيزها الضيق‬
 ‫اللغة إحدى الطرق الموصلة‪،‬‬        ‫وهي أن الاستعارة‪ ،‬صارت‬
                                 ‫أداة من أدوات التفكير داخل‬           ‫القديم‪ ،‬بوصفها حلية‪/‬‬
     ‫إلى اكتشافها‪ ،‬لذلك تعد‬       ‫النص الشعري‪ ،‬فهي تتصل‬            ‫حر ًفا لفظيًّا أداة جمالية في‬
  ‫الاستعارة التصورية‪ ،‬بع ًدا‬      ‫بكل مجالات حياتنا اليومية‪،‬‬       ‫النص الشعري‪ ،‬أو الأدبي‪،‬‬
                                       ‫ذلك أ َّن اللغة بطبيعتها‬      ‫إلى آلية من آليات التفكير‬
    ‫مه ًّما من الأبعاد المشكلة‪،‬‬                                     ‫المرتبط بالأفضية الذهنية‪،‬‬
     ‫قصد الدلالة في التصور‬
      ‫العرفاني»(‪ .)8‬وارتبطت‬                                            ‫حيث تكون الاستعارة‬
  ‫الاستعارة بالنشاط الذهني‬                                        ‫فاعلة في عملية بناء الخطاب‬
                                                                 ‫الإنساني برمته على اختلاف‬
                                                                 ‫لغاته وتنويعاته‪ ،‬ومستوياته‬
                                                                   ‫داخل كل مجتمع أو جماعة‬
                                                                 ‫بشرية تجمعها لغة مشتركة‪.‬‬
                                                                  ‫حيث أشار جورج لا يكوف‬
                                                                   ‫ومارك جونسن في كتابهما‬

                                                                        ‫المؤسس (الاستعارات‬
                                                                     ‫التي نحيا بها) إلى الدور‬
                                                                    ‫الفاعل للاستعارة في بنية‬
                                                                      ‫الخطاب الإنساني‪ ،‬فهي‬
                                                                    ‫أداة معرفية لها دور بالغ‬
                                                                   ‫الأهمية في بلورة الكثير من‬
                                                                   ‫تصوراتنا‪ ،‬حيث إن طريقة‬
                                                                  ‫تفكيرنا وتعاملنا‪ ،‬وتجاربنا‪،‬‬
   182   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192