Page 189 - merit 36- dec 2021
P. 189

‫‪187‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫الفضاء الذهني‪ ،‬حيث تصبح‬            ‫وتفك أزرار السماء متى أراد‬              ‫صورة لنسيج الزمنية‬
   ‫أزرار السماء هي المصدر‬                   ‫القل ُب أن يرح ْل»(‪)11‬‬         ‫التراكمية‪ ،‬التي تنسفها‬
                                                                        ‫لحظة العراء‪ ،‬وكأن الزمن‬
‫العرفاني‪ ،‬أما الهدف فيطرح‬           ‫يبدو فعل الحب وممارسته‬             ‫الذي تمت تعريته‪ ،‬هو عمر‬
    ‫صورة الحب الذي تفكك‬               ‫أم ًرا بشر ًّيا بامتياز‪ ،‬حيث‬   ‫منفصل عن الذات‪ ،‬ولنكتشف‬
                                                                       ‫أي ًضا أن الوحدة هي البطل‬
  ‫وانزوت أزراره منفردة في‬                 ‫تحمل الإشارة الأولى‬         ‫الوجود المختفي وراء النص‪.‬‬
    ‫كل مكان‪ ،‬وحيدة هزيلة‪،‬‬               ‫صورة الحب‪ ،‬لكنه حب‬             ‫فتتجه الاستعارة إلى جانب‬
                                      ‫ممتزج ببنات الجن‪ ،‬وهو‬             ‫آخر‪ ،‬وهو الخيانة‪ ،‬فعندما‬
 ‫فيرحل القلب حزينًا‪ ،‬ويقول‬             ‫تهويل الاستعارة‪ ،‬عندما‬        ‫تتم تعرية السنوات‪ ،‬لنكتشف‬
                     ‫أي ًضا‪:‬‬            ‫يستعير الذهن البشري‬             ‫الفراغ سوى من الوحدة‪،‬‬
                                    ‫نس ًقا تصوير ًّيا لبنات الجن‪،‬‬          ‫فتصبح العظام خائنة‪،‬‬
       ‫«هيا َن َر ُّش المل َح فوق‬        ‫لنجد أنفسنا أم خطاب‬             ‫فلم تستطع مقاومة فعل‬
                ‫الخارجي ْن‪.‬‬          ‫استعاري أسطوري‪ ،‬حيث‬              ‫التعري نفسه‪ ،‬فهي ضعيفة‬
                                   ‫تتحول بنات الجن إلى مصدر‬             ‫هزيلة‪ ،‬فتتخلى عن روحها‬
              ‫للمو ٍت أجنح ٌة‬      ‫الحدث الشعري في القصيدة‪.‬‬             ‫الفيزيائية‪ ،‬فيحاول الذهن‬
           ‫وللأحزان أسنا ٌن‬            ‫ونلاحظ التصور الذهني‬            ‫الوقوف عن الفعل المقاومة‬
                                       ‫للنهار بوصفه أمانة ذات‬         ‫بعد خيانة العظام‪ ،‬والخيانة‬
                ‫ولنا قلوب!‬             ‫كيان محسوس في القلب‬               ‫مرتبطة بالمشهد التحتي‪،‬‬
               ‫ورسمت لي‪:‬‬               ‫البشري‪ ،‬فيتحول النهار‬            ‫تحت‪ ،‬لأنها مرتبطة بالذل‬
         ‫بيتا تطل عليه أمي‬            ‫الروحي المعنوي إلى كيان‬        ‫والهوان والضعف والهزيمة‪،‬‬
           ‫وأبي يرش الظل‬            ‫يعلو بعلو الأمانة‪ ،‬وفضائها‬              ‫كما تقول المفهوماتية‪،‬‬
        ‫والأحباب منتشرين‬               ‫الروحي داخل القصيدة‪،‬‬            ‫وأي ًضا يصبح العراء وج ًها‬
               ‫أشجارا»(‪)12‬‬              ‫حيث يعتمد الشاعر على‬            ‫من وجوه الـ(تحت) ومن‬
     ‫يعتمد الشاعر في المقطع‬        ‫الانتقال من منطقة الوعي إلى‬              ‫الملحوظ أن الاستعارة‬
 ‫السابق على بنينة الاستعارة‬         ‫منطقة اللاوعي التي تحدث‬           ‫العرفانية‪ /‬التصورية تعتمد‬
         ‫من خلال استعارة‬             ‫عنها لايكوف‪ ،‬وجونسون‪،‬‬           ‫على مصدر وهدف‪ ،‬فالمصدر‬
 ‫أنطولوجية تتحول إلى كيان‬               ‫حيث يبدو الوعي فوق‪،‬‬          ‫في قول داود‪ ،‬العناء‪ ،‬والهدف‬
  ‫روحي ممتد داخل الفضاء‬                ‫واللاوعي‪ ،‬تحت‪ ،‬فينتقل‬           ‫المطر‪ ،‬والمطر هنا على سبيل‬
 ‫الذهني‪ ،‬ومن ثم فقد يجمع‬                ‫الشاعر بخفة استعارية‬           ‫المجاز تكون أهدافه كثيرة‪،‬‬
      ‫الشاعر بين تصورات‬                                              ‫ولكنها تجتر الحزن والهموم‬
 ‫معرفية متناقضة بين الموت‬                 ‫عرفانية بين فضائين‬             ‫الخاصة والعامة‪ ،‬لتصبح‬
   ‫الذي يطير بالأجنحة فوق‬            ‫ذهنيين‪ /‬فضاء السماوات‪،‬‬              ‫العظام خائنة للجسد فلن‬
     ‫أدمغة البشر‪ ،‬والأحزان‬          ‫وفضاء القلب‪ .‬حيث يصبح‬                 ‫تستطيع تحمل الأحزان‬
 ‫التي تقطع القلوب بأسنانها‬                                               ‫والمعاناة الممطرة‪ .‬ويقول‬
  ‫الحادة‪ ،‬فيشخصن الشاعر‬               ‫القلب فضا ًء ممت ًّدا مقاب ًل‬   ‫الشاعر أي ًضا في مقطع آخر‪:‬‬
‫الموت والأحزان‪ ،‬حيث يسعى‬           ‫لفضاء السماء‪ ،‬ومن هنا نجد‬          ‫«وأحب بنتًا من بنات الجن‪،‬‬
   ‫لتحقيق غايته الاستعارية‬                                             ‫تضع النهار أمان ًة محفوظة‬
 ‫من خلال الموت‪ ،‬والأحزان‪،‬‬             ‫أنفسنا أم تصور فضائي‬
  ‫بإضافة صفة أنثوية لهما‪.‬‬               ‫عرفاني للقلب والسماء‪،‬‬                          ‫في القلب‪،‬‬
   ‫ويختتم القصيدة بصورة‬               ‫فما هي حقيقة السماء في‬
      ‫الأب الذي يرش الظل‪،‬‬              ‫التصور العرفاني‪ ،‬حيث‬
 ‫فيقطف من الشمس أشعتها‬             ‫تصبح السماء مصد ًرا لإنتاج‬
  ‫الحارة‪ ،‬ليخلق مساحة من‬               ‫التصور العرفاني داخل‬
 ‫الظل والرحمة والحماية من‬
   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194