Page 194 - merit 36- dec 2021
P. 194

‫العـدد ‪36‬‬                                        ‫‪192‬‬

                                                            ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬                                  ‫د‪.‬ماهر عبد‬
                                                                                                         ‫المحسن‬
   ‫ولعل في قلة إنتاج داود‬       ‫ينتمي الشاعر إبراهيم‬        ‫إبراهيم داود‪..‬‬
   ‫(ثمانية دواوين وأربعة‬                                         ‫بين شعرية البساطة وفينومينولوجيا اللغة‬
                                ‫داود إلى جيل الثمانينيات‪،‬‬
     ‫كتب على مدار ثلاثين‬          ‫بالرغم من عدم اعترافه‬
‫عا ًما) ما يدعم هذه الرؤية‪،‬‬
 ‫فشاعرنا لا يكتب من أجل‬        ‫بفكرة التصنيف الشعري‪،‬‬
                               ‫وهو الجيل الذي خرج من‬
  ‫الكتابة‪ ،‬لكنه يكتب بدافع‬
  ‫نفسي واحتياج اجتماعي‬            ‫رحم التجربة السبعينية‬
                                    ‫التي جاءت كرد فعل‬
   ‫ليقاوم الحزن والوحدة‬
    ‫اللذان يلقيان بظلالهما‬        ‫فني على الواقع المتردي‬
  ‫الثقيلة على حياته اليومية‬    ‫سياسيًّا واجتماعيًّا‪ ،‬خاصة‬
  ‫التي حرص دائ ًما على أن‬
                                ‫بعد هزيمة ‪ 67‬العسكرية‬
            ‫تكون بسيطة‪.‬‬       ‫والنفسية‪ ،‬ما جعلها تخاصم‬
    ‫وفي سياق البساطة لا‬        ‫السلطة والجماهير‪ ،‬وتبتكر‬
  ‫يميل داود إلى التعقيد في‬
 ‫اختياره لمفرداته الشعرية‪،‬‬        ‫لنفسها أسلوبية جمالية‬
  ‫كما كان العهد دائ ًما لدي‬   ‫خاصة بها بحيث لا تخاطب‬
  ‫شعراء السبعينيات‪ ،‬لكنه‬
   ‫يختار أسهلها في النطق‬         ‫إلا نفسها والمنتمين إليها‬
     ‫وأقربها في المعني من‬     ‫فقط‪ .‬وبهذا المعني‪ ،‬صار لها‬
  ‫الخبرة اليومية المشتركة‬
    ‫بين الناس جمي ًعا‪ .‬ولا‬       ‫عالمها الموازي ومفرداتها‬
   ‫يعني ذلك الوقوف عند‬        ‫الذاتية التي تشكل معج ًما لا‬
 ‫السطح الخارجي للفظ أو‬
‫المستوي الأول من الدلالة‪،‬‬                 ‫يفهمه سواها!‬
    ‫إنما تكمن جمالياته في‬            ‫وخلا ًفا لهذا الاتجاه‬
  ‫تلك القدرة السحرية على‬          ‫الشعري المارق‪ ،‬المتمرد‬
 ‫الارتفاع بالعادي إلى آفاق‬     ‫على الحياة والناس‪ ،‬بالرغم‬
‫أبعد وأقرب إلى الميتافيزيقا‪،‬‬      ‫من ابتكاراته الأسلوبية‬
    ‫ما جعل البعض ينسب‬            ‫والجمالية‪ ،‬يأتي إبراهيم‬
  ‫إلى أعماله شيئًا من روح‬        ‫داود متمر ًدا على الاتجاه‬
                              ‫السبعيني نفسه‪ ،‬بالرغم من‬
               ‫التصوف‪.‬‬          ‫استفادته من روح التمرد‬
     ‫فكيف تحقق له ذلك؟‬             ‫وجرأة الابتكار‪ ،‬معلنًا‬
  ‫يختار داود من التجارب‬          ‫أنه يكتب للناس ويبحث‬
     ‫الإنسانية ما هو ذاتي‬        ‫عن الناس‪ ،‬فالكتابة عنده‬
                                 ‫جزء من الحياة المعيشة‪،‬‬
       ‫ويومي وقريب من‬           ‫بحيث لا يمكنك أن تفصل‬
   ‫الوعي الجمعي‪ ،‬ويختار‬       ‫تجاربه الشعرية عن تجاربه‬
   ‫من الألفاظ ما هو عادي‬           ‫الحياتية‪ ،‬ويؤكد كتابه‬
                               ‫«خارج الكتابة» هذا المعني‪.‬‬
        ‫ومألوف‪ ،‬وفي كلتا‬           ‫ويكفي أنه عندما ُسئل‬
‫الحالتين يعمد إلى الاحتفاظ‬      ‫عن الشيء الذي يربط كل‬
                                ‫أشعاره على تنوعها أجاب‬
                                    ‫بأنه الحزن والوحدة!‬
   189   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199