Page 195 - merit 36- dec 2021
P. 195

‫الملف الثقـافي ‪1 9 3‬‬

     ‫انتشار هذا اللون من‬     ‫فالغيرة على الوطن ومكانته‬      ‫بروح الطفولة ذات البراءة‬
  ‫الأدب بين جمهور القراء‬             ‫الدينية والثقافية في‬  ‫المحببة والسذاجة المخادعة‪،‬‬
                                                            ‫ما يجعل من إبداع الشاعر‬
     ‫من كل الأعمار‪ ،‬وكذا‬       ‫المنطقة‪ ،‬التي حصلها عبر‬      ‫نو ًعا من اللعب وشك ًل من‬
‫أسباب اتجاه الكتاب الجدد‬        ‫آلاف السنين‪ ،‬كانت هي‬
                                ‫دافعه لهذه الكتابة‪ ،‬ومن‬        ‫أشكال المقاومة في الآن‬
   ‫إلى الكتابة الخيالية ذات‬     ‫ثم لم يكن معنيًّا بالبحث‬                      ‫نفسه‪.‬‬
 ‫الملمح الخرافي الأسطوري‬        ‫الموضوعي حول أسباب‬
                             ‫انتشار المقرئين السعوديين‬          ‫ولكي نقترب أكثر من‬
    ‫في زمن قطع فيه العلم‬        ‫في مصر والعالم العربي‪،‬‬          ‫تجربة داود الشعرية‪،‬‬
           ‫خطوات بعيدة!‬       ‫وتراجع النفوذ المصري في‬            ‫ينبغي أن نتوقف عند‬
                             ‫هذا السياق‪ ،‬أي أنه لم يعمل‬        ‫الملامح المميزة لشعرية‬
    ‫ولا يختلف الأمر كثي ًرا‬  ‫على استيعاب جمالية قرائية‬
     ‫في رأيه حول القضايا‬       ‫جديدة‪ ،‬لاقت صدي كبي ًرا‬              ‫البساطة عنده من‬
     ‫السياسية‪ ،‬خاصة في‬       ‫في العالم العربي‪ ،‬وتجاوزت‬          ‫ناحية‪ ،‬وعند الحضور‬
   ‫الأحداث التي تلت ثورة‬                                      ‫الفينومينولوجي للغة في‬
   ‫يناير‪ ،‬فهو كأي مواطن‬              ‫جمالية عبد الباسط‬       ‫هذه التجربة الخصبة من‬
‫مصري بسيط يري الأمور‬            ‫والطبلاوي التي اعتمدت‬
    ‫من منظور لونين فقط‬           ‫على الأداء اللفظي المنغم‬               ‫ناحية أخرى‪.‬‬
  ‫الأبيض والأسود‪ ،‬أو من‬      ‫أكثر من اعتمادها على إبراز‬
   ‫منظور الدراما الهندية‪،‬‬    ‫المعني القرآني العميق الذي‬      ‫شعرية البساطة‬
    ‫فالناس إما أخيار وإما‬      ‫يتطلب الإنصات والتدبر‪،‬‬
‫أشرار‪ .‬إن داود يميل غالبًا‬       ‫وهو ما حققته المدرسة‬             ‫بالرغم من الخبرات‬
     ‫إلى استخدام المفردات‬        ‫الجديدة في التلاوة على‬      ‫الحياتية والثقافية الطويلة‬
 ‫الدارجة في الحياة الثقافية‬  ‫يدي محمد جبريل في مصر‬         ‫لشاعرنا الكبير‪ ،‬إلا أنه‪ ،‬فيما‬
‫من قبيل «الريادة المصرية»‬       ‫والحذيفي في السعودية‪.‬‬
                               ‫ويمكنك أن تلمح البساطة‬         ‫يبدو‪ ،‬آثر أن يتعامل مع‬
        ‫و»الفكر الوهابي»‬     ‫نفسها في رأيه حول روايات‬       ‫قضاياه الكبرى والصغرى‬
    ‫و»الخلافة الإسلامية»‬        ‫أحمد خالد توفيق وأحمد‬      ‫بالروح نفسها‪ ،‬أو بالبساطة‬
     ‫لتفسير ظواهر الحياة‬      ‫مراد ذات الانتشار الواسع‬
    ‫السياسية والاجتماعية‬         ‫في مصر‪ ،‬فهو يري أنها‬           ‫نفسها إن أردنا الدقة‪،‬‬
  ‫والثقافية المعاصرة‪ ،‬التي‬    ‫روايات تجنح إلى الغرائبية‬         ‫فعندما كتب الشعر لم‬
 ‫صارت أكثر تعقي ًدا‪ ،‬ومن‬       ‫وتهدف إلى الانتشار وأن‬         ‫يكن دافعه أن يسعي إلى‬
‫ثم تحتاج إلى أدوات جديدة‬       ‫روايات الرعب والروايات‬           ‫الشهرة أو تقديم رؤية‬
‫للفهم ومفردات أكثر قدرة‬          ‫البوليسية عمو ًما كانت‬      ‫مغايرة للشعر تجاوز من‬
   ‫على استيعاب التحولات‬       ‫موجودة طوال الوقت‪ ،‬غير‬          ‫سبقوه‪ ،‬فقط كان يسعي‬
     ‫الكبيرة والعنيفة التي‬   ‫أنه لم يعثر على رواية تهزه‬        ‫إلى تجميع الناس حوله‪،‬‬
‫طالت المنطقة‪ ،‬بل العالم كله‬   ‫بعد محفوظ وفتحي غانم‪.‬‬            ‫لا بمعني النجومية لكن‬
                               ‫وهو رأي له وجاهته لكنه‬          ‫بمعني الحب والصداقة‬
       ‫على كافة الأصعدة‪.‬‬         ‫رأي شخصي يفتقر إلى‬           ‫الإنسانيين‪ .‬وعندما كتب‬
    ‫بهذه البساطة‪ ،‬التي لا‬    ‫البحث المتعمق حول أسباب‬        ‫عن أمراء التلاوة في مصر‬
  ‫تخلو من صدق‪ ،‬يتشكل‬                                        ‫إنما كان يسعي إلى الدفاع‬
                                                            ‫عن قوة مصر الناعمة ضد‬
       ‫وعي إبراهيم داود‪،‬‬                                      ‫التيار الوهابي القادم من‬
‫الصحفي والشاعر‪ ،‬في الآن‬                                      ‫صحراء الجزيرة العربية‪،‬‬

   ‫نفسه‪ .‬غير أنه لا يفوتنا‬
   190   191   192   193   194   195   196   197   198   199   200