Page 198 - merit 36- dec 2021
P. 198

‫العـدد ‪36‬‬         ‫‪196‬‬

                                                           ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬        ‫الشعور بالفقد عندما‬
                                                                            ‫ينفض الناس من حوله‬
   ‫إلى لغة الناس أنفسهم‪،‬‬         ‫تختلف تما ًما عن الكلام‬                ‫ويجد نفسه فريسة للوحدة‬
  ‫لغة الطيبين‪ ،‬التي تكمن‬                      ‫يقولون‪..‬‬
                                                                                  ‫والفراغ‪ .‬فيقول‪:‬‬
    ‫قوتها في فقرها‪ .‬وهنا‬         ‫‪ -‬إذا أرادوا أن يقولوا‪-‬‬                         ‫«اللغة متفق عليها‬
   ‫ينبغي أن نفهم الفقر لا‬                        ‫كلا ًما‬                  ‫والعاشق الذي ضاق من‬
                                                                               ‫الثرثرة عن العشق‪..‬‬
     ‫بمعني النقص‪ ،‬وإنما‬               ‫عن طريق آخرين‬                        ‫يبحث عن طرق قصيرة‬
       ‫بمعني الافتقار إلى‬              ‫يملكون لغة طيبة‬                      ‫تفضي إلى البحر الكبير‬
                                       ‫قوتها في فقرها»‬
‫الزخرف اللفظي أو التعقيد‬           ‫(ديوان «حالة مشي»‬                                  ‫طرق ضيقة‬
    ‫المصطلحي‪ ،‬ما يجعلها‬            ‫من «ست محاولات»‪،‬‬                       ‫تسكن إلى جانبيها الحياة‬
  ‫بسيطة ومباشرة‪ ،‬ولعل‬
    ‫في ذلك ما يفسر لجوء‬                      ‫ص‪.)٤35‬‬                               ‫يمشي فيها آمنا‬
    ‫داود إلى بعض الألفاظ‬          ‫والمتأمل لمعني الأغراب‬                     ‫يصطاد ألحا ًنا غامضة‬
                              ‫الذين يتوجه إليهم شاعرنا‬
‫العامية‪ ،‬بالرغم من التزامه‬       ‫بالخطاب سوف يتبادر‬                               ‫تعينه على الشتاء‬
  ‫بالتعبير بالفصحي‪ ،‬لأن‬          ‫إلى ذهنه‪ ،‬في الغالب‪ ،‬أن‬                ‫وتستوعب إحساسه القديم‬
  ‫اللفظة العامية تكون‪ ،‬في‬    ‫المقصود هم المثقفون‪ ،‬الذين‬
 ‫أحيان كثيرة‪ ،‬أكثر بلاغة‬     ‫يحملون فوق كاهلهم همو ًما‬                                    ‫بالفقد»‬
                                ‫ثقافية وحضارية تجاوز‬                        ‫(كن شجاعا هذه المرة‪،‬‬
‫من الفصحي إذا ما أُحسن‬         ‫وعي العامة من الناس‪ ،‬ما‬
   ‫اختيار الموضع المناسب‬       ‫يجعلهم يشعرون بالغربة‬                                       ‫ص‪.)٥‬‬
       ‫لتوظيفها فيه فنيًّا‪.‬‬        ‫في مجتمعاتهم‪ ،‬لأنهم‬                                ‫ومثل معظم‬
                                 ‫يتحدثون لغة خاصة لا‬                        ‫الفينومينولوجيين يميز‬
‫وتتضح رؤيتنا هنا عندما‬       ‫يفهمها إلا المثقفون أمثالهم‪.‬‬               ‫داود‪ ،‬على طريقته الشعرية‪،‬‬
  ‫نقرأ السطور التالية من‬       ‫وهنا يلجأ المثقف الواعي‪،‬‬                   ‫بين اللغة والكلام‪ ،‬فاللغة‬
   ‫القصيدة نفسها‪ ،‬والتي‬          ‫الراغب في الانخراط في‬                  ‫هي مجموعة القواعد العامة‬
       ‫يقول فيها الشاعر‪:‬‬       ‫مشكلات الناس وتوصيل‬                      ‫التي تنظم طرق عمل لغة ما‬
        ‫«الأغراب معنيون‬          ‫رسالته التنويرية إليهم‬                  ‫من اللغات‪ ،‬أما الكلام فهو‬
              ‫بالتفاصيل‬                                                 ‫الممارسة الفعلية التي يقوم‬
    ‫ويحافظون على البيئة‬                                                    ‫بها الناس في محادثاتهم‬
        ‫ويدعمون السينما‬                                                   ‫اليومية‪ ،‬وهي تختلف من‬
                                                                         ‫شخص لآخر ومن جماعة‬
‫ويطالبون بتحرير الركض‬                                                      ‫لأخري‪ .‬وفي هذا السياق‬
         ‫من الأيديولوجيا‬                                                      ‫يحدثنا داود عن «لغة‬
                                                                        ‫الطيبين» في قصيدة قصيرة‬
  ‫ويفهمون في الموسيقى»‬                                                     ‫تحمل نفس الاسم‪ ،‬وهي‬
     ‫(صص‪.)٤36-٤35‬‬                                                           ‫لغة يلجأ إليها الأغراب‬
            ‫يمارس داود‬                                                     ‫لتحقيق التواصل بالرغم‬
                                                                           ‫من فقرها‪ ،‬لأن قوتها في‬
‫الفينومينولوجيا من خلال‬                                                             ‫فقرها‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫الطرح المفاهيمي لأغراضه‬                                                     ‫«الأغراب لهم طريقة في‬

   ‫الشعرية‪ ،‬فنجده يختار‬                                                                    ‫الكلام‬
 ‫عناوين بسيطة لقصائده‪،‬‬
  ‫يختزلها في كلمة واحدة‪،‬‬
 ‫بحيث يأتي المتن كإضاءة‬

       ‫شعرية تكشف عن‬
   ‫معني جديد للكلمة التي‬
   193   194   195   196   197   198   199   200   201   202   203