Page 190 - merit 36- dec 2021
P. 190

‫العـدد ‪36‬‬         ‫‪188‬‬

                                                           ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬    ‫غوايات الشمس الخاطفة‪،‬‬
                                                                              ‫حيث ينتشر الأحباب‬
 ‫مرتب ًطا بالخيال الشعري‪،‬‬     ‫تبنين الاستعارة العرفانية‬                       ‫كأشجار كبيرة تقف‬
       ‫والزخرف البلاغي‪،‬‬       ‫من خلال علاقات اتجاهية‬
                             ‫محددة‪ ،‬مستخد ًما استعارة‬                    ‫كمصدات للأحزان والموت‬
    ‫إنها تتعلق في نظرهم‪،‬‬      ‫(المشي في الرأس)‪ ،‬وهناك‬                       ‫معا‪ ..‬ويقول في قصيدة‬
    ‫بالاستعمالات اللغوية‬       ‫استعارة (الزمن العجوز)‬                     ‫بعنوان (مقهى قايتباي)‪:‬‬
                              ‫وهو ُي ِط ّل برأسه من نافذة‬                   ‫«تضيق قمصاننا فجأة‬
       ‫غير العادية‪ ،‬وليس‬                                                         ‫فنشد الرحا َل إليه‬
    ‫بالاستعمالات العادية‪،‬‬        ‫الحياة‪ ،‬حيث يسكن مع‬                       ‫نحتفي بطموحنا ونقول‬
   ‫وعلاوة على ذلك‪ ،‬يعتقد‬           ‫الذات في غرفة مفعمة‬                                      ‫شع ًرا‬

      ‫الناس أن الاستعارة‬      ‫بالرطوبة والفوضى‪ ،‬حيث‬                      ‫يرتمي بين الدخان غيابنا‪:‬‬
 ‫خاصية لغوية تنصب على‬        ‫تمتد الذات كمسافة واسعة‬                                         ‫طف ًل‬
 ‫الألفاظ وليس على التفكير‬
                                ‫مليئة بالشوارع‪ ،‬فتسير‬                     ‫َف َق َد اشتهاء اللهو والثوب‬
   ‫أو الأنشطة‪ ،‬ولهذا يظن‬       ‫الناس داخل رأسها‪ ،‬وهي‬                                   ‫الجديد»(‪)13‬‬
  ‫أغلب الناس أنه بالإمكان‬
  ‫الاستغناء عن الاستعارة‬        ‫استعارة اتجاهية تعتمد‬                   ‫تتشكل الاستعارة العرفانية‬
                               ‫على البناء الأمامي (أمام)‬                  ‫من خلال الحضور الجلي‬
    ‫دون جهد كبير‪ ،‬وعلى‬          ‫أو البني التحتي (تحت)‪.‬‬                     ‫للغياب في وسط الدخان‬
      ‫العكس من ذلك‪ ،‬فقد‬       ‫فالزمن العجوز إشارة على‬                    ‫الآني‪ ،‬كطفل يبحث‪ ،‬جريح‬
  ‫انتبهنا إلى أن الاستعارة‬   ‫تعاقب الأحداث وانتهازيتها‬
   ‫حاضرة في كل مجالات‬         ‫كسلحفاة محشوة بالبطء‪،‬‬                     ‫لم يعد يشتهي له ًوا أو ثو ًبا‬
‫حياتنا اليومية‪ ،‬إنها ليست‬    ‫فرؤية الشاعر تحمل مأساة‬                      ‫جدي ًدا مثل بقية الأطفال‪،‬‬
    ‫مقتصرة على اللغة‪ ،‬بل‬                                                    ‫تكمن هنا لحظة الحزن‬
     ‫توجد في تفكيرنا وفي‬         ‫مؤلمة لرحيل الذات عن‬
    ‫الأعمال التي نقوم بها‬    ‫العالم الأرضي بشكل ممل‪،‬‬                     ‫من خلال تصوره الذهني‪،‬‬
‫أي ًضا‪ ،‬إن النسق التصوري‬                                                     ‫فيبين الحزن مقي ًما في‬
      ‫العادي‪ ،‬الذي يسيِّر‬        ‫ومن ثم نلاحظ صورة‬
‫تفكيرنا وسلوكنا له طبيعة‬         ‫المشهد المفارق نفسه في‬                 ‫صدور الأطفال الذين فقدوا‬
                              ‫القصيدة‪ ،‬حيث يجمع بين‬                         ‫أباءهم أثناء بحثهم عن‬
   ‫استعارية بالأساس»(‪)15‬‬          ‫العجوز القديم الذي لا‬
    ‫تمتلك مدونات الشاعر‬         ‫يتحرك‪ ،‬وبين سرعته في‬                      ‫لقمة العيش لإطعام أفواه‬
     ‫إبراهيم داود شجاعة‬          ‫سباق الذات للعبور إلى‬                      ‫أطفالهم الفقراء‪ .‬ويقول‬
    ‫شعرية واضحة‪ ،‬حيث‬          ‫الخارج‪ ،‬تتجلى هذه الرؤية‬
 ‫إنني أطلقت عليها شجاعة‬        ‫كثي ًرا في مدونات إبراهيم‬                 ‫الشاعر في قصيدة بعنوان‬
     ‫الاستعارة‪ ،‬وتعني في‬         ‫داود‪ ،‬لأنها يطرح دائ ًما‬                                ‫(منازل)‪:‬‬
                             ‫صورة الحياة في عرفانياتها‬
      ‫ظني تلك الاستعارة‬          ‫الشفيفة التي تبحث في‬                         ‫«في الأدوار الأرضية‬
  ‫الأنطولوجية التي تحدث‬       ‫ماهية الأشياء وتصوراتها‬                       ‫يمشى الناس في رأسك‬
 ‫عنها لايكوف وجونسون‬
‫في كتاب (الاستعارات التي‬               ‫الذهنية المكبوتة‪.‬‬                               ‫وأنت نائم‪،‬‬
   ‫نحيا بها) مفادها أننا لا‬                                                   ‫ويكون الزمن عجو ًزا‬
   ‫نستطيع أن نعيش دون‬        ‫شجاعة الاستعارة‪:‬‬
                                                                                      ‫يسكن معك‪،‬‬
    ‫استعارات‪ ،‬لأنها تقدم‬       ‫«تمثل الاستعارة بالنسبة‬                           ‫يقاسمك الرطوبة‬
 ‫لنا فه ًما واض ًحا للظواهر‬    ‫لعدد كبير من الناس أم ًرا‬                ‫ويسبقك إلى الشارع قبل أن‬
  ‫الطبيعية والأحداث التي‬                                                         ‫تغس َل وجهك»(‪)14‬‬
                                                                        ‫يعتمد الشاعر إبراهيم داود‬
                                                                           ‫في قصيدته السابقة على‬
   185   186   187   188   189   190   191   192   193   194   195