Page 188 - merit 36- dec 2021
P. 188

‫العـدد ‪36‬‬                            ‫‪186‬‬

                                      ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬                       ‫في الدماغ‪ ،‬فتمنحنا طرائق‬
                                                                          ‫الفهم المعرفي‪ ،‬فيمكن لنا‬
‫فتصوراتنا تبنين‪ ،‬ما ندركه‪،‬‬               ‫أن كانت الدراسة القديمة‬          ‫أن ندخل من خلالها إلى‬
 ‫وتبنين الطريقة التي نتعامل‬           ‫للاستعارة قائمة على البلاغة‪،‬‬
                                      ‫أصبحت تدرس على أنها بنية‬         ‫شعر إبراهيم داود‪ ،‬فمعظم‬
   ‫بواسطتها مع العالم‪ ،‬كما‬                                                ‫نصوص الشاعر تعتمد‬
‫تبنين كيفية ارتباطنا بالناس‪،‬‬            ‫ذهنية مفهومية عميقة‪ ،‬كما‬          ‫على الخطاب الاستعاري‬
‫وبهذا يلعب نسقنا التصوري‬              ‫تدرس في ضوء منهج لساني‬
‫في جزء كبير منه‪ ،‬ذو طبيعة‬                                              ‫الذي يعتمد على استعارات‬
‫استعارية‪ ،‬فإن كيفية تفكيرنا‬             ‫عرفاني‪ ،‬ذو وجهة معرفية‬               ‫تصورية تنبثق عنها‬
                                          ‫نفسية‪ ،‬هذا المنهج أسهم‬
  ‫وتعاملنا وسلوكاتنا في كل‬                ‫في تجديد الدرس الدلالي‪:‬‬       ‫استعارات صغيرة تنتمى‬
    ‫يوم‪ ،‬ترتبط بشكل وثيق‬                                              ‫للخطاب الأكبر‪ .‬حيث جاءت‬
                                      ‫ولاسيما في باب تغير المعنى‪،‬‬
‫بالاستعارة»(‪ .)10‬حيث تكشف‬                  ‫فهي إذن‪ ،‬وبهذا المفهوم‬        ‫الاستعارات وفق جورج‬
 ‫المقاربة العرفانية في قصائد‬                                            ‫لاكوف وجونسن‪ ،‬محملة‬
                                      ‫الجديد‪ ،‬ظاهرة ذهنية قبل أن‬      ‫بالشحونات المعرفية الموغلة‬
     ‫إبراهيم داود‪ ،‬عن روح‬             ‫تكون لغوية‪ ،‬إنها تمثل إحدى‬
 ‫الاستعارة العرفانية في بنية‬                                              ‫في بنية النص الشعري‪،‬‬
                                          ‫الآليات المركزية لاشتغال‬    ‫مثل الاستعارات التصورية‪،‬‬
   ‫النص‪ ،‬حيث تتفاعل الذات‬               ‫الذهن عند الكائن البشري‪.‬‬       ‫والاتجاهية‪ ،‬والأنطولوجية‬
    ‫مع العناء الثقيل المنهمر‪،‬‬          ‫وقد تجلى هذا المفهوم كثي ًرا‬
                                        ‫في نصوص الشاعر‪ ،‬فيقول‬                 ‫والبنيوية‪ ..‬إلخ من‬
‫فالعلاقة الشعرية بين العناء‬                                          ‫استعارات بارزة‪ ،‬حيث تجلت‬
     ‫والمطر في القصيدة‪ ،‬هي‬                          ‫إبراهيم داود‪:‬‬
   ‫علاقة عرفانية بالأساس‪،‬‬                 ‫«ورمت عليَّ عناءها مط ًرا‬      ‫الاستعارات العرفانية في‬
    ‫فالمطر يتخذ فضا ًء علو ًّيا‬                                      ‫مدونة الشاعر إبراهيم داود‪،‬‬
                                                ‫وع َّرت عمرها مني‬      ‫حيث تطرح قصائده العديد‬
‫سماو ًّيا‪ ،‬والعناء يتخذ فضا ًء‬                ‫فخانتني العظام»(‪.)9‬‬    ‫من الاستعارات ذات الأفضية‬
 ‫أرضيًّا منخف ًضا‪ ،‬ثم نلاحظ‬             ‫«إن التصورات التي تتحكم‬
 ‫الاستعارة الثانية في السطر‬           ‫في تفكيرنا ليست‪ ،‬ذات طبيعة‬       ‫الذهنية المفتوحة‪ ،‬بأشكالها‬
‫الثاني‪َ :‬ع ّر ْت ُع ْم َر َها‪ ،‬فتكشف‬    ‫ثقافية صرف‪ ،‬فهي تتحكم‬        ‫المختلفة كالاستعارة البنيوية‪،‬‬
‫الاستعارة عن صورة العراء‬                 ‫أي ًضا في سلوكاتنا اليومية‬
                                          ‫البسيطة‪ ،‬بكل تفاصيلها‪،‬‬       ‫والاتجاهية‪ ،‬والأنطولوجية‪،‬‬
   ‫الكلي للزمن‪ ،‬وكأ َّن العم َر‪،‬‬                                         ‫حيث وقف ُت عند دواوينه‬

                                                                      ‫«تفاصيل‪ ،‬وأنت في القاهرة‪،‬‬
                                                                         ‫وكن شجاعا هذه المرة»‪،‬‬

                                                                      ‫هذه الدواوين الثلاثة‪ ،‬كانت‬
                                                                        ‫أرضية للتطبيق العرفاني‪،‬‬
                                                                        ‫حيث حاول ُت الوقوف على‬
                                                                          ‫طرائق تبنين الاستعارة‬
                                                                           ‫العرفانية‪ ،‬وتصوراتها‬

                                                                      ‫الذهنية ذات التأثير النفسي‬
                                                                      ‫داخل الذات‪ .‬فالاستعارة من‬

                                                                        ‫هذا المنظور تعتمد أكثر ما‬
                                                                       ‫تعتمد على الذهن والإدراك‪،‬‬
                                                                      ‫ولذا يطلق عليها (الاستعارة‬
                                                                     ‫المفهومية أو المفاهيمية) فبعد‬
   183   184   185   186   187   188   189   190   191   192   193