Page 241 - merit 36- dec 2021
P. 241

‫‪239‬‬  ‫الملف الثقـافي‬

‫هناك جماعة من أصدقائي‬             ‫حنجرته الشعرية بآلية‬            ‫للكرة؛ فهو «الأهلاوي»‬
     ‫الشعراء السكندريين‬           ‫قبض صوته بالرغم من‬          ‫العظيم الذي مقدار ما يمجد‬
                                                               ‫ناديه‪ ،‬يميل‪ ،‬عند اختيارات‬
 ‫السامقين‪ ،‬والسكندريون‬              ‫طمس اسمه‪ ،‬هو سيد‬
  ‫أهل أذواق عالية عمو ًما‪،‬‬      ‫الاختزال في قصيدة النثر‪،‬‬         ‫المنتخب‪ ،‬إلى اللاعب الذي‬
  ‫وجرنا كلامنا عن البحر‬                                           ‫يبدو أبعد من نمط ناديه‬
 ‫إلى الشعر‪ ،‬وهو ما يجري‬              ‫سيد الجملة الخاطفة‬          ‫الرياضي بل من أسلوب‬
‫في العادة‪ ،‬فقال لي أحدهم‪:‬‬      ‫الحميمة المؤثرة‪ ،‬ليس لديه‬
 ‫سلم لنا على إبراهيم داود‬                                           ‫بلده في اللعب‪ ،‬اللاعب‬
 ‫عند عودتك إلى العاصمة؛‬            ‫لفظ عسير ولا تركيب‬          ‫الذي كالمحترف الأوروبي‪،‬‬
   ‫فهو الشاعر الذي يعول‬       ‫لغوي ملغز‪ ،‬تتسع قصيدته‬
    ‫عليه وسط هذا الزحام‬         ‫للألوان والظلال والروائح‬            ‫فبوسعه أن يضعنا في‬
   ‫الشعري الكاذب اللعين!‬        ‫وحصائد الأنغام ودواخن‬            ‫المقدمة‪ ،‬ويسعدنا برفرفة‬
                                                             ‫علمنا في الاستادات الرياضية‬
    ‫كان الواجب أن يطول‬            ‫الذكريات‪ ،‬يشعر قارئها‬
 ‫الحديث عن الشاعر الذي‬        ‫بتخلصها من الزوائد بالرغم‬                         ‫الدولية‪.‬‬
   ‫بينه وبين الشعراء بون‬                                              ‫إبراهيم‪ ،‬أحيا ًنا‪ ،‬هو‬
                                  ‫من احتشادها البلاغي‪،‬‬          ‫القشعريرة التي تسري في‬
    ‫شاسع من حيث كونه‬            ‫وبخفتها بالرغم من ثقلها‬         ‫أبدان المصريين مع سماع‬
      ‫نسي ًجا دونه أنسجة‬       ‫المعرفي‪ ،‬وبظاهريتها بالرغم‬       ‫موسيقى النشيد الوطني‪..‬‬
                               ‫من عمقها الباطني‪ ،‬وتلتقط‬        ‫إنه الرجل الذي تنعكس في‬
    ‫الباقين‪ ،‬نسي ًجا وحده‪،‬‬                                       ‫صفحة وجهه ملامح أبي‬
‫وربما حالة رفيعة مستقلة‬              ‫أدق التفاصيل بيسر‬         ‫الهول والأهرامات‪ ،‬تنعكس‬
‫في تاريخية الشعر المصري‬        ‫ومهارة؛ لذا لقبه معتبرون‬         ‫فيها أقوى مما تنعكس في‬
‫بأسره‪ ،‬غير أن هذه الكتابة‬       ‫كثيرون بشاعر التفاصيل‬            ‫غيرها‪ ،‬وتنساب من فمه‬
                                 ‫الصغيرة‪ ،‬وهو لقب ليس‬              ‫الحكايات انسيا ًبا نيليًّا‬
     ‫عامة‪ ،‬تشمل الإنسان‬         ‫بالقليل في دائرة القصيدة‬         ‫بامتياز؛ فتكون العذوبة‪،‬‬
  ‫والمبدع المتعدد بكلياتهما‪،‬‬                                      ‫بجلال قدرها‪ ،‬حاضرة‪.‬‬
                                   ‫النثرية التي ركبها من‬     ‫ليس إبراهيم بموظف فيخاف‬
   ‫فللشعر حديثه الخاص‬               ‫يعرف ومن لا يعرف!‬           ‫الستين‪ ،‬ولو قال قائل إنه‬
‫المنفرد بمقام آخر‪ ،‬وأكتفي‬         ‫«أصدقائي‪ /‬لم يشعروا‬           ‫موظف تاريخي بمؤسسة‬
                               ‫بوجودي‪ /‬ولكنهم شاهدوا‬             ‫الأهرام العريقة‪ ،‬وافقناه‪،‬‬
  ‫هنا بهذا المرور السريع‪،‬‬           ‫الموسيقى‪ /‬تسيل على‬         ‫ولكن اختلفنا معه في طبيعة‬
    ‫راجيًا أن يكون كاش ًفا‬                                   ‫الروح الإبراهيمية التي ليست‬
           ‫ناف ًعا مع ذلك‪.‬‬                      ‫الحائط»‬        ‫بروح موظف‪ ،‬كما يفسرها‬
                                    ‫أسميها أنا بالقصيدة‬            ‫هذا المتفيهق‪ ،‬وإن كان‬
 ‫في النثر‪ ،‬سبق قلمه أقلام‬         ‫الفسيفسائية‪ ،‬نسبة إلى‬         ‫إبراهيم موظ ًفا على الورق‬
 ‫راسخين عباقرة في كتابة‬        ‫الفسيفساء‪ ،‬فما أشبهها به‬
                                ‫بين القصائد الأخرى‪ ،‬هي‬                           ‫بالفعل!‬
   ‫المقال‪ ،‬لا سيما المقالات‬   ‫الحكمة والزينة‪ ،‬وهي القيمة‬     ‫كشاعر‪ ،‬قدم إبراهيم دواوين‬
‫التي تتناول نماذج بشرية‪،‬‬        ‫الفعلية التي يطول ارتياح‬
                                ‫العقل لها والتذاذ الوجدان‬           ‫شعرية باذخة‪ ،‬تسهل‬
  ‫مقال الصورة القلمية أو‬         ‫بها‪ ..‬لها النفاذ الكامل في‬      ‫الإشارة إليه من خلالها‪،‬‬
    ‫البورتريه‪ ،‬سواء كانت‬        ‫المتلقين ولو لم يكونوا من‬        ‫حتى لو قمنا بنزع اسمه‬
‫النماذج لمتميزين معروفين‬      ‫أتباع شريعتها‪ .‬كنت مرة في‬       ‫منها عمد ًّيا للدلالة على تفرد‬
                               ‫زيارة سريعة للإسكندرية‬
     ‫أو عاديين مجهولين‪،‬‬       ‫العزيزة من القاهرة‪ ،‬وقابلت‬
   ‫كتابته هو مشعة وذات‬
   ‫روح‪ ،‬على عكس كتابات‬
    ‫شأنها الظلام والموت‪،‬‬
   236   237   238   239   240   241   242   243   244   245   246