Page 44 - Pp
P. 44

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪42‬‬

                                                         ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫شباكي تأ ّزر شوك خطاياه‪ ،‬اجتاحه خوف مجنون‬                  ‫كلثوم ووردة‪ ،‬تحر ّضها على الحياة وتبث الروح‬
    ‫وباء يحصد الأرواح والحضارات»‪ .‬يصبح العالم‬                 ‫في مكونات المطبخ حولها؛ «فترد النملات الثلاث‬
 ‫الخارجي معاد ًيا يضيف من حلقات الوحدة والعزلة‬             ‫والصنبور والثلاجة ورائي‪ ،‬في حين تص ّفر الغسالة‬
‫على الكاتبة ويمارس ضغوطاته عليها‪ ،‬فلا تجد سلوى‬           ‫وتصفق العنكبوتة»‪ .‬ولا يبدو الخيال الخاص بالكاتبة‬
  ‫سوى العودة إلى الكتابة وطهي الطعام في مطبخها‪.‬‬             ‫مش َّو ًشا بسبب الوحدة والألم النفسي‪ ،‬وإنما يلحظ‬
  ‫وفي رسالتها المعنونة «البيتزا‪ ..‬فعل مقاومة» تصبح‬         ‫القارئ وجود قوة منبعثة تستلهمها من المطبخ حين‬
   ‫رائحة البيتزا المميزة فع ًل مقاو ًما يغطي على أخبار‬    ‫تواجه تلك الوحدة بمفردها وتسعى نحو خلق عوالم‬
‫الكورونا‪ ،‬وتصبح البيتزا عنوا ًنا لإيطاليا ‪-‬أكثر الدول‬    ‫موازية تمنحها فرصة جديدة لمواجهة الحياة والتغلب‬
‫مصا ًبا في الجائحة‪ -‬ودلالاتها من تح ٍد لحالات العزلة‬
    ‫والموت؛ فهي أرض الحضارة التي تصدر الجمال‬                                                       ‫عليها‪.‬‬
     ‫وفنون دافنشي ومايكل أنجلو وأندريا بوتشيلي‪،‬‬            ‫في القسم المعنون بـ»النوات»‪ ،‬تشرع الكاتبة بتقديم‬
 ‫وترصد محاولة الإيطاليين كما صورتها الفيديوهات‬             ‫عدد من الرسائل التي تحمل أسماء النوات المعروفة‬
  ‫في التغلب على الحجر الصحي‪ ،‬عبر عزف الموسيقى‬            ‫لدى أهل الإسكندرية‪ ،‬مثل (الكرم‪ -‬المكنسة‪ -‬قاسم)‪.‬‬
   ‫في الشرفات‪ .‬وتستلهم روح التحدي تلك من طهي‬              ‫تقوم الكاتبة بتوظيف لغة استعارية عبر تشييء ذلك‬
‫البيتزا «طيش الدقيق في إثارة هالات حوله عند نخله‪،‬‬        ‫«الحبيب المستقبل» لرسالتها‪ ،‬فتتغلب على وجع الغياب‬
    ‫تحدد خيوط الشمس مسارات فوضاه»‪ .‬ثم تقول‬                 ‫باصطحابه معها في العمل والمشاوير للمطبخ‪ ،‬تقول‬
  ‫«أحب تم ّرد الأشياء اللذيذة كانبعاج أطراف البيتزا‪،‬‬      ‫مخاطبة إياه «تقبع هناك على الرخامة الخلفية بجوار‬
‫وانكماش من أحب حينما تصدمه قوة مشاعره‪ ،‬كفعل‬                  ‫الثلاجة‪ ،‬تكتب تقاريرك بينما أتنقل بين البوتاجاز‬
   ‫المقاومة بالغناء والعزف في الشرفات»‪ ،‬للتغلب على‬
 ‫روائح الكحول والكلور! ثم تعقد مقارنات في رسالة‬                 ‫والحوض»‪ .‬وتبحث عنه على صندوق الرسائل‬
‫«حقل الطماطم» بين فوضى الداخل وفوضى الخارج‪،‬‬              ‫والأبواب الموصدة وبين الأكواب والأطباق‪ .‬كما يصبح‬
  ‫وترصد الفارق الكبير بينهما؛ ففي الخارج «كرنفال‬
  ‫من فوضى»‪ ،‬تدفع بذاكرة العالم إلى العطب‪ ،‬كحقل‬            ‫المطبخ في الوقت نفسه ‪-‬بعد أن اجتمع عليها الوحدة‬
 ‫الطماطم الذي نام عنه ز ّراعه‪ ،‬بينما في الداخل أغاني‬     ‫والغياب وازداد عليها برد الشتاء وعواصف الخارج‪-‬‬
‫الراديو والهروب من أخبار الجائحة إلى المطبخ‪ ،‬تقول‬
     ‫«بسكويت العشر دقائق أصبح تريند على مواقع‬                ‫هو الملاذ الوحيد‪ .‬يتح ّول المطبخ إلى الداخل الآمن‬
   ‫التواصل الاجتماعي مناف ًسا قو ًّيا لتريندات أخرى‪،‬‬         ‫والعالم الموازي الذي تحتمي به لتنعم منه بالدفء‬
‫كتجاوز أعداد المصابين المليون بعدة آلاف»‪ .‬ومن ث ّم‪،‬‬         ‫ورائحة البهار‪ .‬وتتداخل الأصوات في الخارج حتى‬
  ‫يغدو المطبخ حي ًزا مكانيًّا ذا دلالات رمزية تستدعي‬        ‫وإن خلقت توت ًرا آخر‪ ،‬فهو توتر محبب لأنه معلق‬
    ‫حالات الأمن والهدوء النفسي والتوحد مع الذات‪.‬‬          ‫في الخارج ولن يطالها بسوء‪ ،‬بل يد ّق على الشباك ثم‬
   ‫وأخي ًرا‪ ،‬فإن كتاب «ثورة الفانيليا» للكاتبة هبة الله‬    ‫يتلاشى مع صوت طقطقات الزيت في الداخل‪ .‬تظهر‬
  ‫أحمد هو كتاب رسائل أدبية‪ ،‬ينحو إلى التجريب في‬           ‫مع قسم النوات بعض مكونات المطبخ التي تعينها في‬
   ‫كل تفاصيله‪ ،‬إلى جانب المزاوجة بين أصالة القالب‬           ‫التغلب عليها (كوب الشيكولاتة‪ -‬البهارات الدافئة‪-‬‬
    ‫الرسائلي وما بعد حداثية التقنيات الخطابية‪ .‬وقد‬
   ‫و ّظفت الكاتبة المطبخ بكل تفاصيله كفضاء مكاني‪،‬‬              ‫رائحة القرص وشوربة العدس‪ -‬ماء الصنبور‬
‫ومكوناته ودلالاتها المختلفة لتجسيد إمكانية استلهام‬          ‫الساخن)‪ ،‬بل إن مجرد ذكر تلك المكونات الصغيرة‬
     ‫روح المقاومة‪ ،‬أو بالأحرى القدرة على الحياة في‬        ‫لهو كا ٍف لجلب التوازن والهدوء النفسي للكاتبة‪ ،‬كما‬
  ‫ظل الضغوطات‪ ،‬لتعبر عن ذاتيتها وهويتها في عالم‬
                                                                  ‫للمتلقي الذي صار يشاركها ه ّمها النفسي‪.‬‬
                      ‫تعصف به الوحدة والخوف‬                   ‫وإيغا ًل في حال الوحدة والانعزالية واجتما ًعا مع‬
                                                           ‫برد الشتاء‪ ،‬تق ّدم الكاتبة رسائل مكتوبة خلال فترة‬
                                                            ‫الحجر الصحي أو الكوارانتينا في القسم الثالث من‬
                                                          ‫الكتاب‪ .‬وتظهر في هذا القسم جدلية الداخل والخارج‬

                                                                ‫بشدة‪ ..‬الداخل بأمنه ودفئه وجوه الصحي في‬
                                                           ‫مقابل الخارج السقيم والمخيف؛ تقول «العالم خارج‬
   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48   49