Page 42 - Pp
P. 42
العـدد 35 40
نوفمبر ٢٠٢1
الرسائل صورة دائرية بالقسم الأول والأخير من المطبخ وأنا».
الكتاب ،تتناول فيهما كواليس عملية الكتابة ،وكأنها تق ّدم الكاتبة إهدا ًء للمطبخ ،وقد منحته صبغة مؤنسنة
استشعرت سؤا ًل يدور ببال القارئ حول سبب من الأفعال الإيجابية «لا يملّني /يفتح /ينشر»،
كتابتها لتلك الرسائل؛ فتذكر أنها فعل ضروري لتفرده بها ،ثم استخدمت فع ًل راب ًعا للربط بين
مرتبط بالفقد والغياب والوحدة ،وهي الثيمة المعهودة كيانها وكيانه في «كلانا يعيد تعريف الآخر» .ومن
في الرسائل الأدبية ،حول «كون الرسائل كما قال ث ّم ،يخرج المطبخ من كيانه كفضاء مكاني إلى كيان
ريكاردو بيجليا جنس أدبي ضار يتطلب الغياب». مؤنسن مخاطب من قبل الكاتبة بالدرجة الأولى ،ثم
تتب ّدى الرسالة الأدبية كنوع من الحوار سواء عن تبدأ الكاتبة ببناء عدد من العلاقات بين العتبتين الأولى
طريق الورقة والقلم أو الأجهزة المحمولة ،وتربطها والثانية ،لتؤثث في ذهن المتلقي الصورة النمطية
عدة سمات مشتركة أو مكونات أربعة :المُر ِسل، المتخيلة حول علاقته بالمرأة وامتلاكه إياها أكثر من
والمُر َسل إليه ومحتوى الرسالة والهدف من الرسالة. امتلاكها إياه .وهنا يسأل القارئ نفسه :كيف يمكن
والعلاقة بين المُر ِسل والمُر َسل إليه لا يمكن النظر إليها لتلك العلاقة النمطية أن تخرج من بين جنباتها ثورة
كعلاقة بين مكونين منفصلين ،وإنما هما مكونان ما حتى وإن كانت ثورة للفانيليا؟ كيف يحتضن مكان
شديدا التواشج ،فالمرسل أو كاتبة الرسائل المتخيلة
حال كتابتها تتخيّل المرسل إليه أمامها ،وتتوقع أثر كهذا فكرة التم ّرد أ ًيا كان نوعها؟
وقع كلماتها عليه وهي الأعلم بردود أفعاله .والمرسل لا ينبغي أن ُينظر للمطبخ كمكان هامشي أو
إليه في الغالب قار ٌئ متخيل ،أو هو المتلقي نفسه ،لأنه يتسم بنمطية بسبب صورة المرأة التقليدية التي
هو الوحيد الذي يقرأ تلك الرسائل ،أو ربما تكون هي تمضي فيه الساعات ،بل ووف ًقا للدراسات الأدبية
الكاتبة المتخيلة نفسها كما تصرح في نهاية الكتاب. الخاصة بحقل الطعام food studiesفإن للطعام
وتذكر سبب كتابتها« :هناك على الصفحة البيضاء علاقة وطيدة بالمخزون الثقافي والهوية الاجتماعية
أوثق أنا ..أحلام عانس مثالية لم يمسها الشوق» ،ثم للجماعات الإنسانية ،شأنه شأن أي تمظهر ثقافي
تقول «أوثق تلك الوخزات اللطيفة التي تعتريني حينما واجتماعي آخر .لذا ،فإن الجنوح إلى نقل الهامشي
يبتسم لي بطل المسلسل الوسيم وأس ّب خيانته لي» .لا إلى المركز يتماس مع فلسفة جان فرنسوا ليوتار
تعاني الكاتبة -أقصد هنا كاتبة الرسائل المتخيلة -من حول السرديات الصغرى في عصر ما بعد الحداثة،
الغياب فقط ،وإنما تعتريها الوحدة التي لا يبدو لها حيث ُتنبذ الاعتمادية على السرديات الكبرى ،وتصير
مخرج منها سوى عبر الكتابة لآخر (المرسل إليه)، السرديات الصغرى هي الشكل الرئيس للخيال
الإبداعي؛ فلا تتناول الكاتبة أحداث محورية كالعمل
والدراسة مث ًل كما لمّحت في عرض الكلام ،بل تدور
الرسائل
والأحداث
المتشظية في
فلك المطبخ
وحوادثه
الصغرى،
كطرق المطر
على الشبّاك
أو سير النمل
لتتبع فتات
الطعام.
تأخذ