Page 41 - Pp
P. 41

‫‪39‬‬              ‫إبداع ومبدعون‬

                ‫رؤى نقدية‬

                                                                        ‫روايتي «باميلا» و»كلاريسا»‬

                                                                        ‫للكاتب الإنجليزي صامويل‬

                                                                        ‫ريتشاردسون‪ ،‬وفي الأدب‬

                                                                        ‫العربي ُيذكر المنفلوطي الذي‬
                                                                        ‫قام بتعريب رواية «ماجدولين»‬

                                                                        ‫‪-‬وهي إحدى الروايات‬

                                                                        ‫الرسائلية‪ -‬للكاتب الفرنسي‬

                                                                        ‫ألفونس كار في مطلع القرن‬

                                                                        ‫العشرين‪.‬‬

                                                                        ‫إن ظهور كتاب يعلن عن نفسه‬

                                                                        ‫أنه يختص بالرسائل الأدبية‬

                                                                        ‫لهو حر ٌّي بالالتفات إليه‪ ،‬شو ًقا‬
                                                                        ‫وحنينًا لذلك الجنس العتيد‪،‬‬
                                                                        ‫ورغبة في رؤيته في ثوبه‬

                                                                        ‫الجديد للوقوف على مدى تأثره‬

‫ميخائيل باختين‬  ‫ريكاردو بيجليا‬  ‫جان فرنسوا ليوتار‬                       ‫بمتغيرات العصر‪ ،‬وفي الوقت‬
                                                                          ‫نفسه يضع عبئًا على كاهل‬

                ‫الأدبية في واقع المكاشفة؛ فيصافح القارئ عنوان‬           ‫الكاتب لتصديه لهذا النوع من الكتابة‪ .‬ففي كتابها‬

                ‫الكتاب «ثورة الفانيليا»‪ ،‬ويبدأ في الربط بين طرفي‬        ‫«ثورة الفانيليا‪ :‬رسائل من المطبخ» الصادر عام‬

                ‫العنوان‪ ،‬ويخلص إلى وجود انزياح‪ ،‬إذ كيف تمتلك‬            ‫‪ 2021‬عن دار المثقف‪ ،‬تق ّدم الكاتبة هبة الله أحمد‬
                                                                        ‫عد ًدا من الرسائل تصل إلى خمس وأربعين رسالة‬
‫مو ّزعة على ستة أقسام هي‪( :‬الرسائل‪ ..‬لماذا؟‪ ،‬النوات‪( ،‬الفانيليا) صفة الثورة وهي ذلك المك ّون اللطيف الذي‬
                ‫يضفي نكهة ورائحة طيبة للطعام‪ .‬وهنا يتب ّدى عد ٌد‬        ‫الكوارانتينا‪ ،‬فرويديات‪ ،‬متنوع‪ ،‬جنس أدبي ضار)‪،‬‬
‫من الاحتمالات؛ فلربما تو ّد الكاتبة تسليط الضوء على‬
                                                                        ‫ولا يتع ّدى حجم الرسالة مساحة الصفحتين من‬
                ‫القطع المتوسط‪ .‬وقد امتازت تلك الرسائل بتجريبيتها؛ أشياء في حياة الإنسان رغم أهميتها‪ ،‬لكنه لا يلقي‬
                ‫لها با ًل‪ ،‬ولربما تريد بهذا الكتاب إحداث ثورة ما‪،‬‬       ‫فلم تكت ِف الكاتبة بتقديم جنس أدبي قليل التواجد‬

                ‫فكون الكتاب يحمل عد ًدا من الرسائل الأدبية ‪-‬ذلك‬         ‫على الساحة الأدبية‪ ،‬وإنما ُتكتب الرسائل على حد‬
‫الجنس الأدبي الذي يكاد أن يندثر وسط انهماك أغلب‬                         ‫قول الكاتبة (من المطبخ)‪ .‬فيصبح المطبخ عالمًا مواز ًيا‬
‫الأصوات الأدبية بكتابة الرواية‪ ،-‬فتبدو الكاتبة كمن‬                         ‫يف ّجر طاقات الكتابة‪ ،‬ومن ثم تستمد اللغة قوتها‬

‫يغ ّرد خارج السرب حينما تتناول هذا الجنس الأدبي‬                         ‫واختلافها من توظيف مصطلحات ومفردات جديدة‬
‫يتم استعارتها من كتب الطهي ووصفات الجدات‪ ،‬من على وجه التحديد‪ ،‬كقالب لإبداعها في زمن فرضت فيه‬
‫التكنولوجيا تلاشي الورقة والقلم والرسائل المن ّمقة‪.‬‬
 ‫ثم لا تتوانى الكاتبة عن مخاتلة توقع القارئ الذي‬                        ‫أجل الوقوف على تقلبات الذات في ظل الوحدة والعزل‬
                                                                         ‫الصحي‪ .‬ويقابل المتل ّقي التح ّدي الذي تفرضه طبيعة‬
‫ربما يحمل لفظة «الفانيليا» مجاز ًيا أو استعار ًيا‪ ،‬ولكن‬                 ‫الرسائل الأدبية؛ فيتم تعميم ما هو خاص‪ ،‬وتخرج‬

                ‫الكاتبة بمحتوى من المفترض أنه شديد الخصوصية يجد أنها تعنيها بمدلولاتها الحرفية كأحد مكونات‬
                                                                           ‫بين قطبي (المُر ِسل والمُر َسل إليه)‪ ،‬فيتحول إلى‬
                ‫الطعام‪ ،‬وذلك عند مصافحة العتبة الثانية‪ -‬الإهداء‪،‬‬        ‫محتوى عام ُيقرأ على الملأ ويغدو هذا أم ًرا مقبو ًل‪.‬‬
                ‫حيث تقول‪« :‬إلى الذي لا يملّني أب ًدا‪ -‬يفتح لي أبوا ًبا‬  ‫تبدأ الكاتبة مؤلفها بعدد من العتبات شديدة الصلة‬
                ‫لحيوات موازية‪ -‬ينشر حولي عب ًقا من فرح وشجن‬

‫وأحلام وبهار‪ .‬شك ًرا لأن كلانا ُيعيد تعريف الآخر‪..‬‬                      ‫بواقع المطبخ‪ /‬العالم الموازي‪ ،‬وتجسيد دور الرسالة‬
   36   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46