Page 36 - Pp
P. 36

‫العـدد ‪35‬‬   ‫‪34‬‬

                                                   ‫نوفمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫اختلاف مرجعياتهم الثقافية وسياقاتهم التاريخية‪.‬‬      ‫اللغة ولا شيء سوى اللغة‪ .‬وفي هذا الصدد نتذكر‬
   ‫وبهذا تم تجاوز المفهوم التقليدي للنص‪ .‬فـ»كما‬       ‫ما قاله «بارت»‪« :‬لست أعني بالأدب جملة أعمال‬
  ‫يوثق القسم الكلام‪ ،‬يوثق النص الكتابة حرفيتها‪،‬‬     ‫ولا قطا ًعا من التبادل والتعليم‪ .‬وإنما الخدش الذي‬
      ‫أصلها‪ ،‬معناها‪ ،‬وهذا يعني «حقيقتها»(‪ .)23‬إن‬     ‫تخلفه آثار ممارسة هي ممارسة الكتابة‪ .‬وأقصد‬
      ‫هذا الربط الوثيق بين الحقيقة واللغة والنص‬     ‫أسا ًسا النص‪ .‬وأعني نسيج الدلائل والعلامة التي‬
                                                   ‫تشكل العمل الأدبي‪ .‬مادام النص هو ما تثمره اللغة‬
 ‫أصبح متجاو ًزا سواء من خلال فقه اللغة أو حتى‬      ‫ومادامت اللغة ينبغي أن تحارب داخل اللغة‪ :‬سيان‬
   ‫اللسانيات التي أحلت معيار الصحة محل معيار‬
                                       ‫الحقيقة‪.‬‬             ‫عندي أن أقول أد ًبا أو كتاب ًة أو ن ًّصا»(‪.)20‬‬

‫إن النقد‪ ،‬بفعل مناهج ما بعد الحداثة‪ ،‬لم يعد يعتبر‬     ‫‪ -3‬النقد الأدبي المعاصر والنص‪:‬‬
   ‫«المعنى يرتبط مباشرة بالنص من خلال تجريد‬
                                                   ‫إن «النص» في النقد الأدبي المعاصر‪ ،‬بما يتشكل منه‬
 ‫اللغة‪ ،‬وإنما يتوقف على نوع من الاتصال التفاعلي‪،‬‬      ‫باعتماد لغة خاصة‪ ،‬اُ ْع ُتبِر فرضية أولية للقراءة‪،‬‬
 ‫الذي يستثمر‪ ،‬وبحركة واحدة جدل الفاعل وجدل‬
                                                    ‫بل مثوى هذه القراءة «السياقات التي يمكن بناؤها‬
    ‫الآخر‪ ،‬والسياق الاجتماعي»(‪ ،)24‬وهذا يعني أن‬      ‫مع توالي القراءات وتنوعها‪ ،‬وهذه السياقات ذاتها‬
    ‫النص هو مجموعة من الممارسات الدلالية التي‬         ‫هي فرضيات للقراءة تعد معطيات النص الأولية‬
   ‫لا يمكن أن تقوم على التصنيف‪ ،‬مهما أبانت تلك‬       ‫قاعدتها الأساس»(‪ .)21‬فالمعنى قد يبدو منذ الوهلة‬
‫النصوص عن نوعها الأجناسي فهي متباينة‪ ،‬دلالة‬        ‫الأولى محايثًا له باعتباره طاقة دلالية مكتفية بذاتها‬
‫على أن مقاربتها من هذا الجانب يجعلنا أمام حقيقة‬
    ‫تدعي الإطلاقية‪ ،‬لكنها خادعة‪ ،‬بشكل أو بآخر‪.‬‬        ‫ومستقلة تستند إلى الأنماط الكتابية السردية أو‬
  ‫علاوة على أن النص‪ ،‬عبارة عن إنتاجية مستمرة‪،‬‬       ‫الشعرية وما إلى ذلك‪ .‬وهذا ما يجعل النقد ينتصر‪،‬‬
  ‫ما دام عالمه اللغوي يرتبط بالتمثيل الرمزي‪ ،‬فمن‬
                                                                  ‫منذ الوهلة الأولى‪ ،‬إلى نظرة سابقة‪.‬‬
      ‫خلاله يمكن للإنسان أن يتخلص من تجربته‬            ‫لكن خاصية التوليد التي تعمد إليها اللغة داخل‬
  ‫الظرفية‪ ،‬وينفذ من خلال اللغة إلى آفاق مشاريع‬       ‫النص‪ ،‬تجعله ذا معنى غير متنا ٍه‪ ،‬وإن كان يستند‬
  ‫خاصة(‪ ،)25‬وبهذا فالنص لا يمكن أن يقتصر على‬           ‫إلى ثوابت قارة تضفي عليه صفة النصية‪ ،‬فإنه‬
  ‫تحليل نمطي معين‪ ،‬فهو حركة دائمة من المعارف‬
                                                         ‫ذا طاقة غير متناهية لا يمكن للنقد أن يضيء‬
     ‫والخطابات والهواجس‪ ،‬والخيالات والأحلام‪،‬‬               ‫بعض تخومه المعتمة إلا من خلال سيرورة‬
   ‫والمادة التي ينجلي فيها هي مادة جدلية بامتياز‪.‬‬
                                                      ‫قرائية غير متناهية أي ًضا‪ .‬ذلك أن «النصوص لا‬
      ‫من هنا‪ ،‬فالمعنى مقصور على شرعية المعاني‬        ‫تحتوي على البنيات النحوية وحدها في مستويات‬
    ‫الأخرى التي يمكن أن تتوالد‪ ،‬فلا يمكن تصور‬        ‫متعددة (أصوات‪ ،‬كلمات‪ ،‬بناء الجمل‪ ،‬الدلالة) بل‬
   ‫النص في النقد المعاصر إلا فضاء متعدد المعاني‪،‬‬     ‫تحتوي أي ًضا على بنيات أخرى مثل البنيات العليا‬
                                                      ‫(الخطاطات)‪ ،‬والبنيات الأسلوبية والبلاغية التي‬
          ‫وهو ما أسماه بارت «بالعمل الدلالي» أو‬    ‫تضطلع بتغييرات عدة وبنيات إضافية في مستويات‬
    ‫«التمعني»(‪ :)26‬مما يجعل النص مصد ًرا للمتعة‬
‫حسب ما يتوالد من معاني ليست في حاجة لتمثيلها‬                                     ‫عدة في النص»(‪.)22‬‬
   ‫لكنها ترتسم على مستوى الإحساس أثناء عملية‬           ‫من هنا أصبح النقد مقاربة للنص بالانتقال من‬
                                                     ‫معنى إلى آخر ضمن توالد غير متنا ٍه‪ ،‬يعد مصدر‬
                           ‫القراءة والتفاعل معه‪.‬‬   ‫اللذة داخل لعبة أخرى تضمن رحلة مؤجلة للركون‬
‫وهو ما أشارت إليه جوليا كريستيفا ‪J. Kristeva ‬‬          ‫إلى دلالة معينة‪ .‬فالنص وإن كان يحوي توابث‬
                                                      ‫سياقية فهي مجرد توجيهات للمعنى الذي يمكن‬
   ‫من خلال مفهوم «المحتمل الدلالي»‪ ،‬إذ تعتبر أن‬        ‫أن تخلص إليه المقاربة النقدية بتعدد القراء على‬
   ‫«العملية المحتملة الدلالية تجميع لوحدات دلالية‬
 ‫متناقضة (ولملاءمتها في المستويات المختلفة للبنية‬
  ‫الخطابية) في علاقة استبدال متبادلة أو في علاقة‬
   31   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41